الخميس، 25 يونيو 2009

هذه القصيدة أبدعها الشاعر الكبير جمال القصاص لروح الشاعر الكبير وليد منير زميل جماعة إضاءة التي ساهمت في تغيير الشعر المصري والعربي زمن السبعينيات

نشرت في جريدة أخبار الأدب هذا الأسبوع.
أوّلُ اللحن .. آخرُ اللحن
( إلى: وليد منير )

شعر: جمال القصّاص


أَتلكَ قصيدتُكَ الأخيرةُ
خيطٌ يَجِفُّ فيعلو الجدار
بِكَمْ خطوةٍ كنتَ تَسْبِقُ ظلّكْ
تعلِّمُهُ كيف يُغْمِضُ عينيهِ
أو كيف يَنْشُبُ مِخلبَهُ في شظايا النَّزيف.

حلُمْتَ .. بماذا حلُمْتَ
وكَمْ مرَّةٍ جَادَكَ الغيثُ
جَفَّ رمادُ يديكَ
جَفَّ الهواءُ
وأنتَ تداعبُ بَسْمَتكَ الرَّعويَّةَ
تنسى الزمانَ
وشكلَ البداياتِ
تصرخُ: ليلي طويلٌ
خيوطُ المخدِّرِ واهنةٌ
للمساءِ ملامحُ ثَوْرٍ
ورأسي يلفُّ على طبقٍ باردٍ
علَّهَا سَكْرَةُ النّارِ..
هل قذفَ البحرُ لؤلؤَهُ
هل تَعَرَّى كمِسْبَحَةٍ في مرايا الشُّطوط ؟!

تقولُ المُمَرِّضَةُ: الطّوقُ ضَاقَ عليكَ
ابتسمْ ..
سوف ترتاحُ بعدَ قليلٍ
سيَغْتَسِلُ الضّوءُ في زُبْدة الجرحِ
خُذْْ حبَّتينِ..
سئِمْتُ الدّواءَ
التّحَاليلُ لا تستقرُّ
ولونُ الأشعَّةِ لا يُشْبِهُ الصُّبحَ
لا تُبْعِدوا الماءَ عن شرفتي
أمهلوني قليلا من الوقتِ
عندي.. هنا موعدٌ
سوف أرسمُ كوخاً صغيراً
ليَدِ لم يلوِّثها النَّشيدُ
سأسبحُ في عشبِ روحي
عسى يخلعُ النّومُ بُرْدَتَهُ
أو يصبُّ على الجرحِ بعضَ النَّبيذ.

يشاكسكَ الوجدُ
تجري إلى آخرِ العمرِ
خطوي يضيقُ
وأوردتي لم تَعُدْ تَسْتَفِزُّ النَّدى
أيُّهَا الموتُ .. لا تنتظرني
سأذهبُ وحدي
معي صرخةٌ لم تَلِدَْهَا الحروف
معي نجمةٌ من كتاب الأغاني
معي بسمةٌ من صباحات إبني
معي وطنٌ لم يعلِّمٍني كيف أضحكُ
أو كيف أغمسُ في جَرَّةِ الفجرِ حزني.

سأذهبُ وحدي
لكمْ شارتي
ذكرياتٌ يخربِّشها الليلُ
تزحفُ كالدّودِ فوق الغصونِ
وفي الصُّبحِ تَنْعَسُ في عتمةِ القبوِ..
مَن منكمو خبَّأ الصّوتَ في طينة النّهرِ
كَيْمَا يمرُّ الطغاةُ على جثتي
كان لي في هواكم صدى
كنتُ أخلُقُ من سقطتي سقفَ هذا المدى.

أيَا أصدقائي المثيرينَ دوماً
لماذا تأخَّرَ راعي المياهِ
توهَّمتُ أنِّي غريبٌ..
تعثَّرَ في صخرةٍ أفسدتها الحياة
أمَا كانَ يمكنُ أن تأخذوني بعيداً
لتعبرَ أغنيَّتي بسلام
لأعرفَ من أين يبَدأُ حَدُّ البكاءِ
وحَدُّ المَنَام..

النهارُ دَمٌ
والوحيدُ يعضُّ على أوّل الّلحنِ
يطفو الكلامُ
ويهبطُ في زرقةِ القاعِ
طاولةٌ فارغةٌ..
نقطةٌ من بياضِ الشِّراعِ تَرِفُّ
سيأتي المغني
ويتركُ نُوتَتَهُ في المَمَرِّ
سيأتي قراصِنَةٌ آخرونَ
ضعوا نَجْمَةً فوق بابي
هنا عاش شاعر..
يلمُّ نزيزَ الحصى في يديهِ
ويبني سفائنَ للعابرينَ
سلامًا على وجهِ أمي
على نَبْضِها في الجدارِ
على قلبها يزرعُ الحلمَ في َسقْسَقات النهار.

أنا طائرُالغفلةِ
اكتملتْ صورتي في الفراغِ
وداعاً..
سأحفرُ بئراً وأصعدُ
لا تنحنوا
لا تمُدُّوا أياديكمو تحت سُرَّتها
لا ترشُّوا على ظلِّها مِلحَ أيامكم
اتركوني.. أخُطُّ وأمحو
أجدِّدَ شكلَ البدايةِ
أَحْبُو ..
أقولُ: ولِيدٌ أَحَبَّ
استوى فوق غُرْبَتهِ
أيّها المحبُّونَ
حَانَ أوانُ القطافِ
انظروا تحت أقدامكم
ربّما يعبثُ الفجرُ
أو تبدأونَ الصّلاة .

هناك تعليقان (2):

أمجاد يقول...

أحياناً
لا نتبع غير ظلنا على حائط الارض
نخاف الحقيقه لا اعلم لماذا؟...

\

ولؤلائك الذين رحلوا
لكم ظل نحيا داخله خوفاً من شمس انتم وحدكم تحملتم حرها

\

أمجاد

حمدي عابدين يقول...

سعيد جدا يا سيدتي لمرورك.
الذين رحلوا يا عروس الشمس يعيشون فينا وبيننا باعمالهم التي تركوها لنا, بخطاهم التي مشوها بيننا, لذا لا أعتقد أننا يمكن أن ننسها هؤلاء الكبار, إنهم بيننا, رحلوا بأجسادهم فقط, أما أرواحهم فمازالت تحوم في كل الأماكن التي شغلوها بظلالهم, بكلماتهم, بابتساماتهم, وأغانيهم التي مازالت تتردد في دروب وأزقة وأحياء مصر.