الجمعة، 24 أبريل 2009

رسائل ملونة
***يحكي أن بنتا صغيرة لم يتجاوز عمرها تسعة عشر عاما كانت تعيش في بلدة علي حدود قلبها الصغير تسمي ( القمرية ), كانت تطل علي بحيرة تجري مياهها الزرقاء رائقة بجوار شرفتها التي لم تكن تسع سوي نظرات عينيها, وتطلعاتهما إلي أحلام بعيدة لا تعرف مداها.
كانت البنت الصغيرة كل يوم, وكلما غطي الليل ببردته الداكنة الدنيا من حولها. تصعد إلي سطوح منزلها في البلدة الصغيرة لتأنس بالقمر. قالت لها أحلامها إنه يأتي إلي الدنيا من أجل التمتع بالنظر إلي عيونها الحوراء الجميلة, وفي يوم من الأيام بينما كانت "القمرية" ساكنة هادئة بعد ما نام سكانها, واستعدت فتاتها الصغيرة للصعود إلي قمرها الذي يأتي إلي الدنيا من أجل رعاية أحلامها, إذا بهاتف منزلها يدق بنغمته المحببة إلي أسماع أهل البيت, لم يكن هناك من أحد, وعندما استيأست الفتاة من رد أحد علي الهاتف ألقت وسادتها التي تحملها لتنام إلي جوار القمر فوق السطح, ورفعت سماعة الهاتف, وفي هذه اللحظة أنبعث صوتها الجميل, يستطلع الطرف الآخر علي الهاتف, قالت أنا هنا وحدي في البيت, يبدو أن أخوتي, وأمي غادروا دون أن يقولوا شيئا, هل تريد شيئا, كان الطرف الآخر علي الهاتف يستمع إلي نغمات صوت البنت التي جلست علي كرسي مواجه لشرفة غرفتها تتطلع للنجوم التي راحت تضئ السماء للقمر الذي بدا كأنه يتطلع إلي الدنيا لأول مرة, كان وجهه كله مبتسما, وعيناه لامعتين, بينما كانت الفتاة ذات التسعة عشر ربيعا تستمع لحديث من يهاتفها من بعيد, تحدثت الفتاة عن منزلها الخالي, من النسمات, وعن قمرها الذي يعوضها عن ذلك, وأخبرت محدثها البعيد باسمها الذي أخذ الأهالي اسم بلدتهم منه, وقالت أنها مضطرة لغلق الهاتف حتى لا تتأخر علي قمرها الذي جاء في موعده, إنه يحبها ,يزور بلدتها ليالي طويلة من أجلها هي, ليؤنس وحدتها بعد ما يفرغ المنزل من أسرتها.
الفتاة البريئة التي تشفي طلعتها المصابين بالوحدة, راحت كلما لقيت قمرها تقبله بين شفتيه, قالت إن قبلاته مثل شلال هادر تحتويني , ولا أظمئ لأيام عديدة بعدها, وتعجبت البنت ذات التسعة عشر ربيعا من البنات اللواتي يقبلن بعضهن كلما التقين, كيف لهن أن يقبلن الأولاد في الغرف المغلقة, مقرف ما يفعلنه, لا أنا لا أفضل سوي قبلات القمر, إنها أكثر عذوبة, تجعلني أغمض عينيّ, بينما يغزوني, ويتسرب داخلي بمياهه العذبة السماوية.
بعدما أغلقت الفتاة الصغيرة الهاتف, اتجهت مباشرة الي مرآتها, وارتدت قميص نومها الرقيق, وراحت تنظر بإعجاب الي جسمها الجميل, كأنها تراه لأول مرة, رأت كيف أنها جميلة, تحدثت لنهديها الناهدين, وأبحرت صوب النهر الذي يفصل بينهما, وراحت تسرح: كم أنا جميلة, لابد أن يري القمر لون عينيّ, سوف أكشف له ما خفي من سحري, سأريه المرفأ الآمن, ما أجمل ساقيّ, سأجعل من خصري مركبا يقوده إلي بيته الدافئ... حلمت كثيرا بلمسة حانية من حبيبها, بينما كانت الموسيقي تأخذها الي سطح منزلها. وتنام بين ذراعي حبيبها.

***أطيلي قليلا كلمة واحشني, لقد كادت تدخلك بين أحضاني يا أيها المليكة البعيدة, أطيليها قليلا وساعتها سوف تشعرين بما أتمناه الآن, أطيليها. وأشعريني بالدفء يا بنت, هل تعلمين إلي أي مدي أفتقد الاتكاء علي ذراعيك, هل تعلمين كم أنا أحتاج في هذه الغربة إلي قليل من موسيقي كلماتك, وأنت تتحدثين إلي جواري فوق هضبة المقطم, بينما تنبعث الأغنيات والموسيقي من بعيد, وتحيط بنا النظرات المنسربة من عيون العابرين لتلتقط بعضا من همسات عينيك, إنهم يقولون كيف لهذه الفتاة الجميلة أن تجلس هكذا إلي جوار رجل يكبرها بأعوام كثيرة, رجل وخطه المشيط, ويحب ساحرة؟ هل تنيمه بين ذراعيها, هل يهمس لها أحبك بينما يكونا معا يلمسان السماء.
الكثير من الناس يحسدوننا يا قمر علي لحظاتنا, ويحاولون تخيل ما بيننا من أغاني, يبحثون عن الموسيقي التي تخصنا, أنا مازلت حتى الآن ابتكر هذه الموسيقي رغم انك في سريرك الآن, ولا أحد يري الخيط الخفي الذي يربط ما بيننا, قولي الآن ما يجول في خاطرك فسوف أسمعك وأنت تشعين في المرآة بملابسك الرقيقة, يا الله كم أنا مشتاق إليك الآن, تحدثي من أجل خاطري بما تشائين من كلمات, قولي أي شئ وسوف أصل إلي مكمن الضوء ما بين عينيك, سوف أصل إلي صدرك, ,أنام مثل أي بحار أنهكته الأمنيات التي لا تتحقق دائما.
أحكي لك عن إيه, أعتقد أن الكلام بحروفه الجافة المصمطة لا يمكن أن يعبر عن مشاعر واحد بعيد عن ناسه وحبايبه, الكلام هنا عاجز لأنه محتاج طول الوقت صاحبه عشان يوصله بنفسه لحبايبه, إيه يعني اني أقولك محتاجك, أو اقولك نفسي اشوفك, إيه يعني اني أقولك بحبك من غير ما ألمس ايدك, وأشوف تأثير كلامي في عيونك, وأعرف إذا كان الإحساس اللي عندي هو نفسه الاحساس اللي عندك, أنا مثلا باكتبلك دلوقتي عن مشاعري, بحاول أقرب منها أوصفها علي قد ما أقدر, لكن مش عارف إيه هو وقع كلامي عليك।

***الآن أنت في حضني, استشعر حرارة جسدك بين ذراعي, ضميني إليك بقوة, فعطشي إليك يجتاحني, ضميني إليك, وبوحي بما في روحك من لهيب, لعله يلتقي بالنار المتوقدة في داخلي.
أريد أن تحكي لي تفاصيل حياتك اليومية, أريدك أن تحدثيني حتى عما في مطبخك من أكل, حدثيني عن كل شئ, عن الماء عندما ينساب علي البلور, وأنت تغتسلين, , وأنت تحاورين بيديك المروج, وأنت تلمسين الوردة, وتتطلعين إليها في المرآة.
قولي لي كيف تقضين يومك, ومع من تتحدثين عندما تعودين إلي البيت, وماذا تقولين؟ حدثيني عن ملابسك القديمة وما تسمعينها من أغنيات, حدثيني عما تشترينه هذه الايام, ؟ حدثيني عن أمك الطيبة؟ وعن دولاب ملابسك, وسريرك المعلق بحبال الهواء, سريرك الموصول بأمنياتي.

***يبدو إني تعودت علي الغربة لا أري فرقا بين القمر هنا والقمر الذي ظللت أعوام كثيرة أتطلع إليه, تارة من فوق سطح منزلنا عندما كنت في بلدتي الصغيرة في صعيد مصر, وتارة أخري من قلب ميدان التحرير,عندما كنت في ليالي صيف القاهرة, استلقي بين عيني فتاة.
كان القمر أمس, وأول أمس, مضيئا بشكل ملفت لم أره من قبل, لكن ماذا يعني هذا؟ أقصد التأثير الذي تركه تبدي القمر علي هذه الصورة في روحي.
هنا يا أيتها المضيئة في ذاكرتي, أيتها النار المتوقدة في خيالي, سوف أضع أمام نفسي بعض ومضات من صدي وجودك في وجودي, ربما أشرت إلي الأسباب التي تقف وراء هذا الإحساس, وهذا التأثير الذي شع فجأة فيّ.
ولكن قبل ذلك اسأل نفسي هل وجود القمر في سماء غربتي يجعل المدن تتساوي, هل هذا التجلي القمري يساوي بين مدن يسكن بها أحباؤنا, وأخري تغيب الأحبة, وتأد المحبين. أجيبي أنت بعدما تسكن صورتك في المرآة, وتلمع عيناك بالغناء يا فتاة.
أعود الآن إلي القمر الذي تجلي في سمائي, واكتمل بهاؤه رغم وحدته, وشروده, هل كان تساوي تأثير القمرين سببه تساوي المدن في إيذاء العذارى في حدائق شرفاتهن المعلقة, هل صارت مدينتي أيضا تقتل المحبين مثل غيرها من المدن التي كنا نعيرها بأنها مدن بلا قلب, الآن يبدو أن المدن صارت في سباق للقتل, قتل الطموح والرغبة في الوجود, والإبداع, وإمساك السماء من قميص نومها الحريري.
صرنا إذن سواء في التحجر والتبلد, في بيع ما لا يباع, يا أيتها النظرة التي أحلّي بها الأشياء, وتتغني بها روحي, عندما تهيم في سرحتها إليك, في ليلة قمرية, حتى لو كانت ليلة موحشة خالية من هفهفات وجودك, وابتسامات عينيك, ما تحدثت عنه من تأثيرات للمدن علي الأقمار هنا أو هناك, ليس معناه إلغاء محبين عاشوا بيننا, نعرفهم بسيماهم, ويعرفوننا, فالمحبون في حياة المدن سوف يظلون هواءها التي يضمن لها البقاء علي الأرض, والحياة في مواجهة شوارعها, وطرقاتها, المحبون هم الذين يحفظون ماء وجه المدن يا جارة روحي.

***منذ أيام وأنا انتظر, رسائل الموسيقي التي ترسلينها إلي هنا حيث موضع شراييني, رسائلك هي التي تردني لي, أنا الذي تغربت عني منذ سنوات, ومازلت في انتظار عودتي.
إن رأيتني في مكان ما, قولي لمن تصادفينه من العشاق, رده إلي بلاده, إلي ذويه, ولك من الأجر قدر ما كسبت يداك.
لماذا تتأخرين في الكتابة, مرت أيام, وسكان الصحاري لا يقدرون علي العيش بلا ماء, أو غناء؟
قولي لطيفك ينثني عن مضجعي, فأنا هاهنا واقف وحيدا بلا ظل, ولا استطيع هكذا إلا أن استقبل الأحلام بين اليقظة والنوم, علي قلق, أمرر ما أهفو إليه علي روحي, ويستبد بي الأرق, لماذا لا ترطبون هواء الشرفات, عالق بالشرفة, ولا أحد هناك علي الطريق, لا بشير يضئ الشمعة المرهقة.
كل من في حماك يهواك لكن أنا وحدي بكل من في حماك.

***يا صاحبة الأنوثة الفذة, لماذا الإصرار علي أنك( لست جميلة) كما تقولين بحروف غاية في الثقل, من أين جئت بهذه القدرة علي تعذيب نفسك, من أين جئت بهذا اليقين في الحكم علي (أنوثة) أحببتها كثيرا, وذقت حلاوتها, أنا الذي اختبرت عذوبتها। أخاف من هذا الكلام علي روحي, وأرجو أن تتوقفي عنه, ما أرجوه منك أن تنادمي الوردة, وتعتني بحبتيّ الكريز, وبعدها دعي النهر يمضي أمنا حتى مصبه, أما النبع المعذّب. فاتركيه لحاله, هو يعرف ما يريد, وسوف يأخذك إلي روضته, ومروجه, وفيافيه.
سوف تغمضين عينيك, ويقودك هو إلي ما تشتهين, ساعتها سوف تدركين كم أضعت من ليالي كان عليك قضاؤها في رعاية كنوزك التي تخبئينها وراء شعورك القاسي المهلك.
نسيت أن أقول لكم إن المليكة يومها لم تصعد إلي السطح, لكنها استيقظت في الصباح. فوجدت نفسها, تضم وسادتها إلي صدرها, بينما مازال يدور في خاطرها تفاصيل ما حدث ليلة أمس, صوتها الذي عانق صوتا آخر من بني البشر, والذي ذاب في عذوبته, تعجبت المليكة مما حدث, كيف أهملت موعدها مع حبيبها القمر, كيف نسيته, ونامت تتأمل تفاصيل ما جري عبر الهاتف مع المجهول, ألم يكن من الأجدر بها أن تذهب إلي أعلي, وتفي بموعدها, وتقدر كل ما يتكبده قمرها من مشقة من أجل الوصول إليها.
المليكة الصغيرة النائمة الآن علي حرير أحلامها, التي تنمو في مواجهة سريرها الصغير ورود اللافندر, وحقول الحناء, مليكتي صاحبة العينين الرقيقتين العميقتين, التي تفرد ذراعيها كل صباح ليعرف العشاق الطريق إلي باب الجنة, باتت دون أن تلتقي بقمرها علي غير عادتها, وتركته حائرا لم تبعث له حتي باعتذار, أو تبرير لغيبتها الاستثنائية, ماذا جري لها؟ ما هذه الحيرة التي تلف كيانها؟, لماذا غفت في مكانها في مواجهة الهاتف, معطية ظهر ها للشرفة بينما كان القمر يتحرق شوقا للنظر إلي وجهها البرئ.
ظلت المليكة لساعات, بعد يقظتها الفارقة في حياتها, تتأمل ما جري لها, تتأمل تأثير الليلة الفائتة, علي قسمات وجهها, وخصرها, وجيدها, راحت تنظر في المرآة ربما عثرت علي السر الكامن وراء تبدل حالها, وراء حبها لجسمها, وتفتح عينيها علي جمالها الذي راح يدفعها إلي أن تغني لتفاصيل لم تكن ترها من قبل, ما الذي جري بين يوم وليلة؟, كيف أحبت صوتها, وطبقاته, عذوبته, وحنانه, رقته وفتنته؟ قالت المليكة لنفسها أنا في روح حبيبي, هو في روحي, آه لو قبلته, آه لو قبلني, عندما ألتقيه سوف أجعله يغيب بين شفتي, سآخذه بين أحضاني, وأدعو له بأن يهتدي إلي فيافيّ, ومروجي, سآخذه ليتجول في دروبي, وعندما يعود مني سوف أسأله كيف وجدتني يا حبيبي, صفني لي أنا لا أعرفني, صفني لي لأتقرب إليّ, وأحبني.

***قالت تبدل حالي فجأة, حين أخذني في حضنه كنت لا أطيق أنفاسه, كنت , قبل أن يخلع نعليه, ويدخلني, أتمني أن أموت, لكنه حين ناولني الطعم, بحنانه المفعم بالدفْ, والرقة, بدل حالي من كارهة إلي عاشقة متيمة, إلي ميتة في حضنه, وكنت وقتها لا أريد أن يتركني أذهب, أعزروني إذن, كونوا قادرين علي استيعابي, وتقدير موقفي, وفهم روح أحبت في موقف لم تكن قد احتاطت له. وقدرته حق قدره, الحب شئ غريب, يا أخوتي,بالتأكيد انتم جربتموه, ووضعتم أيديكم علي مخابئ سحره الذي يبدل الأرواح.
فلماذا أذن تلومونني علي ما دفعتموني إليه, لماذا تلومونني, أنتم الذين أكرهتموني علي الحب, وحين أقبلت عليه بكامل جوارحي. قلتم لقد أحبت. كانت تقول أنها تقرف من مجرد التقبيل, لكنها الآن تحب بكل كيانها, وتتمرغ في ندي الليالي الملونة, وبكل الألوان الزاهية.
نعم لقد بدل حبيبي حالي بناقوسه الذي كان يدق بداخلي, كان عند كل مرة يلقاني عند منحدرات نفسي, يجعلني أطفو فوق موجه, ويغوص بي حتى القاع, جعلني أحسد اللؤلؤ الذي يلامسه بسناره, أصارحكم القول ما عاد لي قدرة علي النقاش معكم في هذا الامر, وغلق ابواب قلبي دونه من رابع المستحيلات.
إنني أحدثكم كما يليق بكم واستخدم, واعذروني علي ذلك, اللغة التي تتناسب معكم, ألستم تقولون عندما تغلقون الأبواب أمام محدثيكم هذه العبارة من رابع المستحيلات, وبعدها تتراجعون عندما تكون هناك صفقة ما تتم, أما أنا فلن أتراجع عن وصال حبيبي, واضربوا رؤوسكم في اقرب حائط صلد تواجهونه, ألستم تستخدمون أيضا مثل هذا الكلام عندما لا تجدون ردا علي ما تفعلونه من تجاوزات تجاه الناس,,, يا الله أتمني مخلصة لكم أن تدركوا أن ما تفعلونه مكشوف أمام الجميع, لقد صار مكشوفا ومزريا, ويدعو للخجل, بينما أنتم تواصلون أكاذيبكم بجسارة تحسدون عليها ودون أدني إحساس بالموقف الذي تضعون أنفسكم فيه.
اتصلتم بي منذ أيام. ووجدتموني نائمة قريرة العين, بعد ليلة حب, استدارة قمرها كاملة, فهل كنا علي موعد, وكان اتصالكم بي بناءا علي اتفاق مسبق, ام أنكم اتصلتم صدفة, أظن أنه كان كذلك, وقد أدركتم بعده أنني أصبحت محبة لآخر مدي.
عندما يأتي حبيبي يأخذني بين ذراعيه, ويطويني في حضنه, فأظل مشرعة لأمطاره الغزيرة:
اروني يا حبيبي, إنني ظمآنة, وأرضي واسعة, ولا راو إلا أنت, لا عاصم اليوم من أمر حبك, دعك منهم, أنهم كانوا يريدونني لأنفسهم, لكنني الآن لك, لك أنت يا حبيبي। فاملأ البئر بما تري من محبة, املأه بالماء الزلال أو بالملح الأجاج, لا فرق يا حبيبي, فلا أهم من وجودك, وليذهب الجحيم إلي الجحيم.

ليست هناك تعليقات: