الثلاثاء، 14 أبريل 2009

هذه هي النسخة الكاملة من ديواني" لكننا لسنا دائما علي ما يرام" الذي صدر عام २००० عن هيئة الكتاب المصرية ضمن سلسلة "كتابات جديدة" التي كان يشرف عليها آنذاك الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد।

لكننا لسنا دائما علي ما يرام
يغمض عينيه
فيكتب/
ما مرت ساعة
إلا وحزينة.
ذراعين وضمة لوجهك
يا حب.. يا حنان.
عينين قادرتين علي احتواء
مبعد.
مكروب يا رحابة.
شوارع
وعصافير يا مريم.
أشجارا ما حطت
زقزقة علي اخضرارها
يا رحيل.
صادقا يحمل أحلامه بخفة
كي تراها سماء
فتغمض عينيها.
يا حزاني المقاهي.
معشوقة
ينفد مداد البحر
قبل أن ترد ضفائرها
علي رسائل العباد.
وليتألم الناس.
ليتألموا
مثل فاتحي شبابيك غرفتها.
ومنظفي السجاجيد
الذين يمرون علي مواطئ
قدميها
بحزن من لم يخلقوا فراشات.
بلوعة مصباح
أطفأوه
فلم يسمع صمتها
وهي نائمة.

أنا التي كنت وراء
لقاءات الأنبياء في شوارع المدينة.
ما من مرة
تجردت في ساحة
إلا وعاد الغائبون.
تظل هكذا حتي يأخذها
النوم.

رفّافة يا رقة
تخطر ولا يراها سواي.
عازفة كمان
نحيلة يا فضاء
تسقط النخل هامدا
بضوء ساقيها.
تنعصر العناقيد
في ملكوت الأشجار
لو أطلت بنهدين
راضيين.
يالنعمة إطلالة
الحنونين بعد رضا
للعائدين لتوهم من أقاصي المدينة.
عرفناهم يكتبون الرسائل
لمجدلية
صادفوها تهمس
لمحب علي الكورنيش/
أحبني قليلا
أو اصمت.
ليس لي زوج حمام
فأطيره لك.
ولا منزل بأدوار ثلاثة
لأحل تحت سقوفه
ضفائر شعري.
سكير أنت
ووحيد.
تجهل اسم جارتك.
تحب غناء أمك الذي يطيل
شعر أخواتك.
ووجه أبيك الدفئ
الذي تحبه الطيور بالنيّات.
هل تعلم أن شباكي
الصغير
كان قبلة لعاشق
مات دون مراعاة
لأي لباقة
وهو يكلم بنات الميادين
عني.
أنا عجين الملائكة.

راح يغني
كأنه ما التقي بآلهة
من قبل.
مساكين
هؤلاء الذين يسكنون بعيدا
عن بيوت الآلهة.
تتحول البحار المواجهة
لشرفاتهم
إلي صناديق أسرار.
عشاق مذهولون
لو مرت بنت
لا تعرف عدد محبيها
تقرأ رسائلهم
في حضرة جميع المصابيح.
مساكين..
وأنت ميت بلا جنازة
ولا دموع.
كانت تلك آخر كلماتها
إليه
وهو يلملم فتائل الشموع
المحترقة
ليلة أمس.
وينظر بعيدا
فيري نافذتها مغلقة
ورسائل مجهولة
الأصحاب
والعناوين
تهيم حولها.
وعابرين مطأطئين
في أيديهم
يحملون المصابيح
والمصاحف
والكتب التي قدسوها
كتبوا/
لكننا لسنا
دائما
علي ما يرام.



تفاصيل اليوم الأخير
في
حياة شارع ميت
لاتزال الرسائل
التي تحكي آخر أخباره
تصل..
فيصطدم الأزواج
وهم يعبرون إلي غرف نومهم
في قوالب الظلام المتراصة.
ولا يستطيع الجالس
فوق مقاعد القطارات
الجلدية
تجاوز نظرة عينيه إلي حذائه.
تصل أخباره
وتهجر العجائز قطع السكر
والحلوي الدروبس.
يلجأن إلي كراسيهن
المصنوعة من جريد نخيله.
يوجهنها إلي حيث كانت مراكبهن
تنساب علي مياه ظله.
عذاري
ونجوم كثيرة
وما كانت واحدة
منهن
تحسن العد.
وهو
شارع صغير
يصحو قبل عصافير أشجاره.
يزوج العشاق
بين ذراعيه
ويبني مساكن لهم
الكناسون يحبونه
يريحون مكانسهم علي أسواره.
يسهرون معه حتى ساعة
متأخرة
علي أضوائه الفقيرة.
يأتون إليه بجروح أيديهم
وأساهم اليومي.
ويعودون محملين بالحواديت
لأبنائهم
والفواكه الطازجة
لزوجاتهم
اللواتي لسر غامض
لم يتجاوزن العشرين.
إذا مرت سيارة علي قماشته
المفرودة
راح يمد رصيفه أمام الأطفال
حتي حضنه في آخر المنحني.
لا يتركهم إلا إذا ملأ
حقائبهم المدرسية بثمار التوت
والنبق.
لكي يلتقي بأصدقائه
الشوارع
يذهب محملا بالهدايا
للسيارات التي تمر بهم.
ولأحبائهم من العشاق.
هذا الشارع الصغير
الذي لم ير شارعا آخر
يفعل هكذا
ولم يتعلم ذلك في المدارس
التي تصطف علي جانبيه.
استيقظت المدينة صباح اليوم
علي دموعه
كانت الجدران والأزقة
والحوانيت مصابة بالذهول
يبدو أن الأطفال
الذين تعودوا أن يجدوا
نصيبهم من النبق
في حجره
ستمنعهم أمهاتهم من الخروج.

فتيات شجيرات الفيكس
البنات الصغيرات
اللواتي يرتدين فساتين
ملونة
ويطيرن شعورهن
في شوراع المدينة الصغيرة
ويرقصن في الحافلات.
يشبعن من أغاني الحوانيت
فيرحن يطبعن قبلاتهن
في فضائها.
يهبطن إلي الأسفلت
فتسير خلفهن
رائحة عرائسهن.
حين يختفين دون سبب واضح
في دروب ضيقة
نراهن يعبرن النيل
في مراكب فرعونية.
يالهن من بنات قادرات
علي الغناء لأسمائهن عرايا.
العشاق يرسلون لكل واحدة منهن
وردة عليها صورتها.
الملائكة
كلما لاحت عصافير
تبشر بمرورهن تحت السماء
يتمايلون كشجيرات الفيكس
في ميدان المركز.
لاتزال ميادين كثيرة
تحسده,
وتنتظر أمام شوارعها
لتتأكد أن أشجارها
تستطيع الرقص مثل شجيراته.
باعة الترمس
يومها
امتنعوا أن يحصلوا
علي ثمن قراطيسهم.
الأكثر من ذلك
أن أصواتهم صارت خفيضة
وأنهم الآن يداعبون الأطفال
وهم يعبرون بعرباتهم الملائكية
بصحبة أمهاتهم.
وعندما عادوا إلي لزوجاتهم
راحوا يداعبونهن حتي الصباح
متمنين بنات بفساتين ملونة
يرقصن في الحافلات.
شئ واحد فقط
لم يعرفه هؤلاء الباعة
ونساؤهم
أن تلك البنات
اللواتي تقلدهن شجيرات الفيكس
وهن يمشين في ميدان المركز
عندما يعدن إلي بيوتهن
في المساء
لا يجدن من يحكين له
عما يحدث.
* ميدان المركز: ميدان شهير في مغاغة وهي مدينة صغيرة تابعة لمحافظة المنيا جنوب مصر.

كاهن المعبد
بجنونه الصباحي
وشعره المشعث
يمر كاهن المعبد في الساحة الترابية.
يطمئن علي الأطفال الذين يجرون
بمجرد رؤيته
والأعمدة التي انحنت
فاردة أحضانها للفلاحين
وهم يتذكرون أماسيهم مع زوجاتهم
ببطونهن المنتفخة.
يميل رأسه علي نافذة
ستفتحها امرأته في البلدة البعيدة.
وحين تلقفه بين ذراعيها.
ويخفت همس نواقيسها
يتحرش بنهديها
ويفترش بينهما حصيرته
ويغفو..
يقابل أصحابه
وتأكل العصافير من قفة
فوق رأسه.
وكلما تجاوز بخطواته
الشجيرات العارية
يبصر فوق التل
حاملة آنية الحليب
تبكي لاختها.
بينما تنمو الطحالب
أينما ساح بعينيه.

كاهن المعبد
تاسع أخوته
الذي ينام علي ثلاثة كراس.
ويبتسم كلما تنقل
بين حجرات حلمه
يعثر أخيرا
وبعد أكثر من ثلاثين
عاما
علي قاتليه.


حياة وآلام السيد حمدي عابدين
رغم أنه
طوال عمره المديد
لم يستطع أن يتعرف علي شئ واحد بمفرده,
إلا أنه استطاع أخيرا
أن يلتقي بحلمه
وهو يفتح عينيه مبكرا
ليترك باب منزله مصلوبا علي الجدار.
ثماني ساعات بكاملها
لا صوت يؤنس وحدته
أو يوقف آلامه
سوي أقدام تتسلق جاره الدرج
وحفيف أثواب,
وعينيّ امرأة توشوش شراعة
زميله المقابل.
*********************
كل من شاهدوه
منذ هذه اللحظة
حتي لقائه المرتقب
فشلوا في العثور علي رد لصباحاتهم.
كما لم تخرجه السيارات التي تسربت
تشاركه طزاجة الشوارع الرائقة
من حدته المقدسة.
هكذا كان يشعر
وهو يعبر المفارق والميادين
لغاية لم يعلن عنها.
قرب مدرسته الابتدائية
تذكر بائع الحلوي القديم
وهو ينحني
ليضمد جراح صندوقه,
ويحدثه بأسرار زوجته.
يقرب شفتيه من قوائمه الخشبية
ويهمس:وعدت وأخلفت,
في الصباح يقفز بيني وبين سريرها شارعان.
ويتهادي المساء أمامنا,
فأحملها علي عروقي
وأصعد السطوح.
ربما دمعت عينا القمر.
فيجعلها تحفظ اسمي
وموقعها في الشرفة.
*************************
كانت النجوم بعيدة
لدرجة أنه أحس بسخافة أحلامه,
وعدم جدوي مشاويره
بصحبة بنات نسي أسماءهن.
وما عاد يعرف أين ذهبن بأحاديثه
التي نثرها في حجورهن.
كيف تصالح مع الأرصفة؟
من أين جاء بحنينه إليها؟
كم مضي من الوقت
وهو جالس يكلم أحجارها
عن الذي تزوج بجارته في الظلام
بعدما رآها نائمة
في حراسة أسراب من الطيور الملونة
والملائكة
والعبيد المحجلين؟
ذلك كله جعله لا يلتفت
إلي أشيائه الحميمة...
صورة لفاطمة وهي ترتكن علي سيارة
كعذراء
تري الأشياء,
فتسألها عن أسمائها
وتبكي حين لا ترد.
ابتسامة صادق شرشر
لحبيباته اللواتي يهجرنه
وهن يشين به
لأخريات.
صوت ميسون الذي لم يتعلم
سوي الاندهاش,
وشعرها الذي يحفظ أناشيد سليمان,
ويمهد الشوارع أمام بائع الحلوي القديم
ليحكي أسرار زوجته.
حنينه لأمه التي تحب الله
أكثر من الجنة.
طفولة ميلاد زكريا.
أوجاع محمد أبو عوض الشاسعة
التي لا تسكن بالمنومات.
حديثه الذي لا ينتهي عن أشجار
موسيقية تخرج من خيمة لسيد درويش
ضربها في مواجهة تماثيله.
************************
هناك بعد أن أضاع
من ذاكرته عدد السنين التي مرت.
وراح لا يعرف أين يلقي بأحماله
في هذ اللحظة فقط
أكد المارة
أنه التقي بغريب
تعارفا سريعا
واقتسما دخان سيجارة,
وهما يبكيان.

الرفّاء
انتوي البحر
أن يعيش بلا جنّيّات,
ودون مناديل حريرية
لعشاق في عمر الفراق.
ومرت بنت بأصابع موسيقية
غير مهتمة بالنظرات التي تستند
إلي الرصيف.
ودون خوف من الفشل
في التقاط ثمرة مانجو
لطفل قادم برائحة المراكب.
قال/
سيمر ظلي
غير مندهش من العيون
التي لا تري سوي كرسي
يحمل ذراعا واحدة
لبنت بأصابع موسيقية.
سيجعل ارتداءها السواد
لعامين كافيا
لعودتي في الظهيرة
دون أجداثي.

يا أمها
ويا حاجبيها الكثيفين
ونحولها العظيم.
من أين لرخام بنايات الأوبرا
وميدان الدقي
وأزقة روض الفرج .. هذه العافية.
كلما مررت يقشرون عني جروحي.
ويدخلون في غيبوبة
بئر عتيقة.
لو يبكي تشيع أجداثه
علي أبواب الشوارع.
وتتهامس السيدات في شرفاتهن/
سيمر.
سوف نفرد أغانيه علي أعيننا
ونريه بساتيننا.
سيمنعن بناتهن من ارتداء
فساتين قصيرة مثلهن
لحظة انطباع ظله علي الطريق.
وستمتلئ رئاتهن برائحة عبوره.
بعدها لن يستطعن الثرثرة
مع أزواجهن أمام التلفزيون
ولن تكون للقبلات
قبيل الفجر
ابتساماتها.
ولن تجد الأصابع اللاهثة
في الظلام
آهات متوسلة.
فالظل الذي مرق
وعلق
في سماء غرف نومهن
عنقود أحلامه
أسقط إحداهن
قرب محفته
واختفي.

مركبة بريئة تصنع مراكب تشبهها
لم يره أحد كابيا
وهو يصعد الدرج.
فقد كان يحمل وردتها
في يده.
يتذكر شرفتها
وهي تغير موقعها في الجدار
وتبتسم..
قال/
بنت موشحة بعشرين ربيعا
وأربعة رموش.
ومركبة بريئة تصنع مراكب
صغيرة تشبهها.
فلماذا تخرج الحكايات
تدعي أنه عمل عصفورا
وراح يتنقل بين الأشجار
وأعمدة الإنارة التي تتفرج عليها.
هل مرّ عليكم
في القصص القديمة
عاشق
يقلد العصافير.
هل رأيتم أشجارا
وأعمدة إنارة
تتلصص علي النساء.
من الذي قال إنه استدعي
في أحد الميادين
جبالا بيضاء للمارة
وجعل ملائكة تطير بقمتها
وتسبح باسمها.
الذين أشاعوا أنهم
رأوه محمولا علي ضفيرة سوداء
وأنهم شاهدوه في أماكن عدة
في وقت واحد
تعوذهم الدقة.
وهذه هي الحقيقة
كاملة/
منذ شهور قليلة رآها
تعبر حارة ضيقة.
الميادين كانت وقتها غائبة
والشوارع الواسعة
لم تستطع تحمل خفتها.
القليلون من الناس
أدركوا رائحتها
قبل أن تشربها عيون
المطلين من النوافذ.
وعندما استردت خطوتها
منتصف الطريق.
لا أحد يعرف ما الذي
جعلها ترفع عينيها إلي السماء
ومن ملأ الحارة وقتها
بأجنحة ملونة
وغناء ناعم.
من يومها
ما عاد قادرا علي الوقوف
في الشرفة.
حتى الوردة
التي قيل إنها لها
أرسلتها الملائكة إليه.
ربما أحب واحدة من بناتهن.
الملائكة تغار
والعشاق لا يحتاجون
لمثل هذه الحيل الغريبة.
فقط حينما يرغبون
في رؤية حبيباتهم
يغمضون أعينهم.

الشرفة السادسة
مالت البنت, يالصورتها في مرآته, المتلفت في الميدان. يراقب بائعي الكوكاكولا, وأحجار الرصيف,وهي تحتضن كلمة حبيبي مذعورة, ورغم أن العربات كثيرة, والإشارات لا توقف العشاق يوم الجمعة, لم يبق من ميدان التحرير سوي نافورة, وبعض خيالات لموعد, وجندي يتأهب للمغادرة.
بينما الشرفة السادسة لا تهتم بالمنازل الواطئة. تسند فقط كوب شاي, وتبدو الأشياء بلا ملامح.

وحش لطيف
كيف لهذا الليل
أن يشمل بسكونه
قبلات بضفائر موسمية
وابتسامات تحذر
أو تتوسل.
وكيف له أن يترك عجوزا
حزينة دون ضوء.
بينما تقتسم شفتان
ساحل غرفة بين غرباء
لنصفين.
نصف يرسم في الهواء بأردافه
أعدادا حسابية
وآخر يتأمل في وحدته فناجين
فارغة
وشبابيك بلا ماض.
عندئذ راح وحش لطيف
يهبط
وامرأة تمنحه قناديلها
بلا ضجيج.

يرجوه
إلي الصديق الشاعر الكبير صادق شرشر
قبل أن تذهب
خذ معك ابتسامتك.
وصوتك الذي طيوره
تملأ المكان.
خذ طريقتك في إعداد
كوب الشاي.
والوقوف في الشرفة.
فإن أنت تركتهم لي
لن أسامحك أبدا.

شظية وتنطفئ
كقطة ميتة
يودع الولد ذاكرته
في صندوق القمامة
دون أن يفترش لها قميصه
أو يهيل عليها التراب.
سينسي عامدا كتابة التاريخ
ولن يثبت لوحة رخامية
تجيب علي أسئلة المتطفلين.
فقط سوف يخفي ارتعاشته
حين يودعها.
وسيردد أغنية تافهة
في طريق العودة.

الملفوف بروائح البرتقال
الوحيد الذي يتوجب
عليه
أن يسهر علي حنينها
ولوعتها.
راح يقدم لها ثماره
ملفوفة بروائح البرتقال
المنتشرة في ملابسه.
بينما أصوات حانية
تطوف بشرفة مئذنة
قريبة.
ما الذي يجعله يتذكرها
في هذه الساعة بالذات؟
صوت المطر؟
ربما اكتشافه إلي أي مدي
يمقت كلمة حبيبتي.
وقد يريد مناداتها باسمها
بلا صفات.
هو الذي يعرف أنه
لا يستطيع أن يغلق نافذة
تطل علي صوتها.
عندما قبلها
استيقظ مذعورا.

البرزخ
حين استعادت البنت
استدارة نهديها.
وأحست الشرفة متأخرة
طعم آخر قبلة
مارت بها الغرفة المجاورة
ارتدت الفرسة سرجها.
وراحت تمد رقبتها
عبر الجدار.
كان السائس يوقظ زوجته
بغمزة عينه
بينما تتصاعد عناقيد الصهيل
مغمسة بالسعال.

خلوة
إلي شجرة الحنظل
تنظر البنت
وتغمز للشيطانة التي إلي جوارها تبتسم.
كانتا علي الرصيف.
المشنة نصف عارية
والأحذية هواؤها مترب
بينما تود البنت
أن تختلي بالجدار.

لم تكن تذكره
حين صبت الماء البارد
علي جسمها
وغنت.
ولم يباغتها
عندما غطت أشياءها
الشهية.
فقط..
راحت تزحزح عينيه
شيئا.. فشيئا
عندما جاهر بجداره المبلل.

يتمسك بالجدار
وهي تلتقط الكلمات
من قواقع بحر
توسلت البنت/
تأكد أولا
قبل أن تفتح أزرار القميص.
وتملأ كفيك بنهدي
إني لا أحتاج قبلة.
وأن الشرطي
لا يعرف سرينا
المتعانقين في هدوء.

لا الشباك مغلق
ولا الحجرة مطفأة.
فلماذا البنت وهي تفتح الليل
لوردتها لا تراك.
وكلما جاهد الولد ليلتقط
شفرة غنائها البريدي
أغمض عينيه.

قبل أن ينفلت جارك
إلي شهوته
وبعد سماعه
صوت ارتجاج أرداف مألوف.
ولهاث عينيه
في متابعة شقاوة
نهدين لحوحين
سيتأكد أولا
أن المذيعة حافية
وأن هناك من يتسمع
صوت
أردافها.
وأن التوقيت مناسب
كي تمر قاطرة في زقاق.

كيف..؟
المرأة في الشرفة,
والرجل يشرب قهوته باردة
وتشهد الملاءة
أن أوجاعها لم تنم.
وأن أستار الغرفة
مازالت تهتز.

التي ينبعث صوتها إليك
عبر ذراعي زوجها
وعرقه الغزير.
هل رأيتها توصي النافذة
أن لا تجرحه.
والطفلين
أن ينتبها للدماء تنقط
من صورة الزفاف.

لماذا تقذف المرأة
بقطعة من ملابسها
كلما أنهي الرجل قبلة
أو أخرج رأسه من مدفنها.
هل ليري المكذبون
نبوءة نهديها
جهرة.

كل ليلة
وحين تتأرجح
حجرات النوم في الهواء.
وتتسلق الحوائط
آهات البنات.
تستيقظ النساء
هكذا
دون حذر
ليثبّتن الجدران.

في المحطة القادمة
ليلضم روحه في روحي
كان عليه أن يصعد الباص.
يرتدي فجأة
علي غير عادته
قميصا فستقيا.
كأنه ذاهب ليهبط
مدرج الجامعة.
أو يلتصق واقفا
بكابينة السائق.
ولأن حبيبته ستهجره
بعد أسبوعين
قرر أن يضع وردة بلاستيكية
في النافذة.
ويرفض الجلوس معي.
ربما كان كل هذا ضروريا
لتنشق وردته عن رائحة أخري.
فما الذي جعلني
أغفل عن متابعة وجوه محيطيه.
وأخمن اسم هاجرته
وأرحل
قبل أن تكسر ابتسامتها
قوس خيالاته
في المحطة القادمة.

دنيا
إذا راحت البنت
عبر غماماتها تطل
فاحك لها عن صمتك ساكن السفوح
الذي لا يصعد التلال.
لا تجعل الراعي يمر
دون أن تذكرها
بغطاء غناء نايه الذي يفترش
الوجوه.
قل لها لا تضعي علي عينيك
نظارة
واحكمي الطرقات باخضرارهما.
رددي حين يغطي الحزن أشجارهما/
وجه النيل يبين تحت الغطاء
احذري
وأنت تحركين الأشياء
أن يستيقظ.
أنت تعرفينه
إذن ببطء
خفي إليها
وانفخي فيها.
وعندما ترتعش
اهمسي
إنه سيمر بعد قليل
له ابتسامة تنمو علي كراسي المقاهي.

اضطرار
رمال منقطة بالنخيل
وبنات تعدو
كأنهن أصوات تتأوه.

الظّلان
العربات تلحس الإسفلت
وعند مفترق الشوارع
تخرج للمارة لسانها الخانق.
بينما غبار بين ظلين يشبّ.
فينفضانه عن أشيائهما.
وكما كان الأطفال في ملابسهما
يدخلون.
يشمون ألوانها
وخشب الشرفة
التي سقط ملاطها
أمام البناية.
كانت شارة المرور
شاردة تراقب الثنائيات
ومخطوفة بقبلة مرقت أمامها.
وعندما أفاقت علي نظرة
الشرطي مبتسما
احمرّ لونها
وطأطأت.

هواء لا يهده التعب سيضربهما.
وسيدفئان أيديهما
في عناق لحظي.
ولن يهتما
بتضجر الكثيرين.
وربما يسقطان بغتة
علي النجيل
فيمسكان ظليهما.

شجرة الفيكس
مالها الأشياء
سكيرة تمر
والميدان خاو
ولا يخجل الشارع
من تلفّتي.
الأشجار يسكنها الذهول.
إنني إلهة الظل
أمنح النساء طراوتي.

هكذا قالت شجرة الفيكس.
كانت قابعة في صندوقها.
بينما الأطفال حولها
يقفزون
وهي ساهمة تنظر
لرخام المطابخ
وهو ينكسر.

الشائه
ظله منكمش
علي ظل صديقته.
تطل عليه طفلة دون العاشرة
خلسة
وحين تجد نفسها وحيدة
تفتح الجريدة علي صورته
وتصنع له عكازا.
وقبل أن تقدم له كوب لبنها
يخرج باحثا
عن حاجبيه في الظلام.

رومانسية
جثته نهمة
ودمه قاحل
فكيف صار حائطا.
وأمسي أبا للنافذة؟
ذات ليلة
التقط الشحاذين والبرصي
وعلّقهم علي أسياخه الممتدة.
وراح يتفرج علي لاعقي الحصي
وهم يتأبطون أحذيتهم
مفارقين ظل عباءته الثلجي.
كان يرتدي قبعة
وتحت حذائه إصبع
لعجوز.

قالت لحجر
يخبئ دودة تحت جناحه/
هل تحبني؟.

انتصار
في ليل غرفتها
تختفي البنت.
وتردها الموسيقي.
بينما الذباب يفترش الهواء لمصابيحي.

هكذا يمضي الوقت
بين ظلام غرفتها
وارتداداتها.
وعندما يدق الباب
تسري رعدة في قميصها.
وتصطدم الموسيقي بيديها
وهي تمسح الماكياج.

حكمت
وحده الذي كان يجلس في المقهي
بلا أدني حنين لقبلتها.
تمرّ بنت علي الطوار.
رجراجة,
بنهدين لحوحين.
فلا يكور كفيه.
هو الذي ضاجع امرأة
لعامين متواصلين.
والتصقت به الجارة
أمام شقته
فمنحها مولودة لم يرها.
لكنه حين تغزو البنت
عارية منامه
يخبئ عصفوره

حكمت
الآن
تشاركه مياه البانيو
لابد أن جدران الشقة
في بولاق
تعرف السر كاملا.

العراء
في العراء, وحين كوره البرد, فكر أن يمتلك غرفة. ينتصب بداخلها. وبين جدرانها خفية يلتقي بامرأة تعمدت أن تصدمه بعريها, فتردد قليلا , وعندما قرر صفعه الرصيف.
كان ممسكا ببعضه, وبعضه يدور, وعندما لم يجد حجارة أو رملا. أقام من عظامه حوائط. ونظر.
رأي أن قلبه صار شباكا, فجعل ذراعيه شراعتين. ولما استوت أمام ناظريه
حجرة. وهب يتنفس هواءها, إذا بفتاته متكورة تطل من جرة أخري.

أريدهم هكذا
لعلهم وهم يرشدون الذباب إلي جثتي لم يشكّو لحظة أنهم ميتون, لذلك أمقتهم كثيرا, رغم أنه وجب عليّ أن أسمع نصائحهم, وأغني غير عابئ بابنة الجيران.
قلت لأصدقائي/
إنها إمكانية امرأة جيدة, وأريتهم صورتها। فتضاحكوا كالثعابين, وهم يصرخون... أسنانها ليست منظمة بالمرة.
أمقتهم كثيرا, ولا أشكو من وجودهم, رغم أنهم يسقطون الذباب في أكواب الشاي. ويفترشون الشوارع ببهائمهم. ويحفرون البرك الآسنة. ويصيبون الأطفال بالجذام. ويأكلون الروح, لكنني لا أريدهم موتي.
أريدهم هكذا.....

هناك 4 تعليقات:

أمجاد يقول...

سأترك حقائبي هنا على عتبة حرفك...
وأعود لاسكن كلماتك...
اريد قليلاً مني لاتدارك مايحدث!
\
/
\
غصن زيتون لمسائك

حمدي عابدين يقول...

قولي لي كيف يكون صباح واحد مثلي عندما يستيقظ علي رقة ابتساماتك, ونعومة حروفك, أنا الآن لا أدري هل أرتدي ملابسي وأذهب إلي ميدان التحرير, وأنام وسط حديقته قريبا من نخلة جاءت من الجزيرة العربية محمولة علي عروقي.
أم أخرج إلي شرفتي وأقول لبنات الهرم, أنا الآن بقلب جديد, قلب معبأ بروائح عطور الطائف, قلب يحب النخيل, يحب حدائق أبها وجبالها الخضراء, قلب يقف علي مرمي حلم من بنات جدة, وهن يرقصن علي أمواج مياهه الشقية.
صباحك يا بنتا برائحة اللافندر المرشوش في شوارع الأمنيات, تغني له العصافير- هنا- بالقرب من شرفتي.
لك كل ما أحب... اللمسة البهية, والسراج الذي لم ينطفء حتي الآن في الشرفة المواجهة, اهتزار أغصان الشجيرة عن يميني وعصفورها الوحيد الذي يستأثر بأغصانها, ويعشق توحده بها.
وأنا ليّ الله حتي يأذن بلقاء.

أمجاد يقول...

أترك هذا المساء يفرح بوجودك
\
/
\
اسراب حمام تحلق لك.

حمدي عابدين يقول...

لكن كيف يمكن لأسراب حمام أن تحلق حولي وأنت بعيدة في ليلة أخري, أنا هنا بلا أسراب حمام, إنها كلها تتبعك.

ناجيتني فسمعت صوتك هئت لك.
قمر أنا هيمان في عشق سلك.
أنا عنك.. فيك.. إليك..
كلّي منك لك.
روحي لروحك في الهوي يالي يالالا.