بلاغة الحذاء
في بلاغة الحذاء هل يمكن أن يجد المبدعون من أحفاد الجرجاني وأبي تمام والمتنبي أداة أخري مماثلة للتعبير عن احتقار قاتل ومغتصب وكذّاب كبوش, أعتقد لا, غير "جازم" فأنا مؤمن بعبقرية الورثة وقدرتهم علي الابتكار, كما أعتقد أن أي حاكم من عينة بوش سوف يبدأ من الآن بجدية في تسليح كل فرد من أفراد حراسته بتدريبات قوية, مشفوعة بدراسات لطبيعة الحذاء واستخداماته, وبلاغته في التعبير عن العرب, من أجل تلافي أفكار وابتكارات أصحاب أحذية كثيرة نائمة وسائرة وطائرة في سماء مواعيدها الأكيدة, ويهيأ لي أن كل الذين يرون الآن الأحذية تطير كوابيسا, في منامهم, سوف يسعون بكل السبل لتزييف تراثنا الحذائي, وتغييبه عن وجداننا, وتحريفه في اتجاه آخر, وسوف تبدأ وسائل إعلامهم من الآن في حملة واسعة لتقول للناس إن منهم من يجدونه في مواجهة حذاء, هو في حالة تكريم, سوف يساوي هؤلاء المساقون بالنعال, الأحذية التي لبستها وجوههم بالورود, سوف يتحدثون في أجهزة الإعلام عنها باعتبارها نياشين من شعوبهم المستضعفة والمسروقة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن لماذا لم يفكر أحد منا في أن يستخدم حذاءه بالطريقة التي أبدعها مراسل قناة البغدادية منتظر الزيدي في وداع بوش, لماذا وقد كانت هناك فرص كثيرة متاحة لاستقبال ذلك المجرم ووداعه في بلدان مختلفة تعاني من أيادي بوش عليها مثلما يعاني أهل العراق, وجميعها دول بأوامر من يسعون للحفاظ علي أمنهم, ومن يجاهدون من أجل تنظيم الأسرة تنبطح في البرية بهدف الاستمرار في دفن مخلفاتها الوبائية النشطة فوق السطح وتحته. وهذه الدول لن يكون فيها رد الفعل علي استخدام أحدنا الحذاء في مواجهة من نواجهه من الحقراء أقوي وأشد من أفعال الأمريكيين والدمي التي يحركونها في العراق من أتباعهم خونة كل العصور. سؤالي له ما يبرره لأننا نرث ما ورثه منتظر الزيدي من بلاغات وثقافات, ولدي بعضنا الدوافع نفسها التي لديه, كما أننا نملك الأحذية نفسها, والرغبة نفسها, والطموح والغل نفسه, والهواء المساعد, وربما لدي أحذيتنا الكثير مما لدينا بما رأت وسمعت في الطريق. لكن يبدو أن لدينا أيضا مبدعين في مجالات قوية أثرت علي فاعلية ما نطمح إليه, وهؤلاء هم الواقفون علي نواصي القنوات الفضائية والصحف, هؤلاء هم أصحاب الحناجر من مناضلي الميكرفونات, الذين يضعون أيديهم وراء ظهورهم كلما خرجوا من مقام لقبض ثمن خطب حنجورية, يتبعونها دائما بتقارير لصاحب القصر يشيرون فيها لعثرات في طريق كرسيه قد تعتري طريق أبنائه إليه, لدينا مبدعون في إشاعة الفساد, وتسميد تربته, لدينا انتهازيون, وداعرون, وكثيرون من أبناء سبيلهم, لدينا عديمي موهبة وحلنجية يجلسون في المؤتمرات مرتدين حلل الكتاب والصحافيين, وهم الذين يأمن لهم صاحب البيت و"مخرج المسرحية", راعي القتلة ومستقبلهم, وهم الذين يبلغون عن مشهري الأحذية, وهم في الطريق إلي القاعات, ثم أنهم هم الذين يستحوذون عليها عندما تطير في الهواء, فيبيعونها بآلاف الدولارات لمن يسلّعون كل شئ في بلادنا, بدء من حذاء منتظر حتي دمائه التي سالت, وضلعه الذي انكسر. ورغم أن الموقف في العراق مختلف قليلا بسبب غيبة مخرج مسرحية علي درجة عالية من الكفاءة تؤهله للقيام بما يقوم به مخرجونا العباقرة, إلا أن الواقع واحد, والحال واحد, والاحتلال واحد رغم تغير شكل المحتلين وعساكرهم وجنودهم, انكشارية كانوا أو مارينز. لذا أري في الأفق القريب أن هناك من يبحث عن ثقب في جدران المسرح حاملا حذاءه المسنون علي طريقة المبدع العراقي الكبير منتظر الزيدي, لذا أهيب بالسادة حراس القاعات في مؤتمرات "السادة" أن يضعوا لافتة خارجها تحذر من ارتداء أحذية عراقية, أو أي أحذية أخري شبيهة بحذاء مبتكر القصيدة صاحب المراسم الفذ وريث البصريين والنحويين والبلاغيين والشعراء والفلاسفة والورّاقيين. حمدي عابدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق