الجمعة، 27 فبراير 2009

ديريك بلاملي وزوجته


حوار مع السفير البريطاني السابق في القاهرة ديريك بلاملي

السفير البريطاني وزوجته المصرية الليدي بلاملي لـ«الشرق الأوسط»:
23 عاما من الزواج والتكامل بين حضارتين
ديريك بلاملي: أنا مصري أكثر من المصريين أنفسهم

* الليدي بلاملي: أعشق صخب القاهرة وأمل من رتابة الريف الانجليزي
حمدي عابدين
* ما بين اليوم الذي طلبت فيه من المسؤولة الاعلامية بالسفارة الانجليزية تحديد موعد لاجراء حوار مع السفير البريطاني الذي تسلم مهام عمله في أواخر سبتمبر (ايلول) الماضي واليوم الذي التقيته وزوجته الليدي بلاملي مرت فترة كافية لأنسج صورة لزوجين ارتبطا وتزوجا في القاهرة منذ أكثر من 22 عاما، كان بلاملي وقتها يعمل سكرتيرا أول بالسفارة البريطانية بالقاهرة وكانت نادية يوسف جوهر التي صارت في عام 2001 الليدي بلاملي بعد منح زوجها لقب سير من الملكة اليزابيث الثانية تدرس الأدب في الجامعة الاميركية بالقاهرة.
بدماثة ومرح فتح السفير البريطاني قلبه لـ«الشرق الأوسط» هو وزوجته الليدي بلاملي وحكيا الكثير من القصص التي صاحبت زواجهما، وكيفية ادارتهما حياتهما الزوجية، وكيف تغلبا على الخلافات بين الثقافة البريطانية والثقافة المصرية، ورؤيتهما لكيفية تربية أولادهما، وكثيرا من الموضوعات الأخرى التي تخص حياتهما كزوجين صارا يسكنان الآن في قلب السفارة البريطانية.
* قالت الليدي بلاملي: لا أعتقد ان هناك اختلافا كبيرا في الثقافات يمكن أن يكون مؤثرا في مواجهة مسألة الزواج والتعايش الأسري لأن الناس بطبيعة الحال مشاعرها الانسانية واحدة والقيم المرتبطة بها واحدة، من هنا أرى ان الفروق الموجودة بين الثقافات تصبح بلا تأثير على المستوى الأسري والعائلي، ونحن في حياتنا الزوجية نعيش مثل أي أسرة مصرية أو أوروبية، ونربي أولادنا ونعيش حياة عادية.
الناس تتخيل أن هناك فروقا في مبادئ معينة أو ثقافات معينة، لكن كل هذا لا أثر له عندما نتحدث على المستوى العائلي، وقد كنا نتحدث أنا وديريك في هذه المسألة منذ أيام، ونحن في زواجنا نعيش مثل أي أسرة تنتمي الى بلد معين ومتآلفة مع حضارة وثقافة واحدة حيث لا يوجد خلاف حول قيم الحياة العادية وتربية الأولاد.
وأنا لا أريد أن أخفي وجود فروق بين الثقافة المصرية والثقافة البريطانية لكنها بسيطة وتظهر على السطح لكنك عندما تتعمق في الحياة في بريطانيا تكتشف أن هذه الفروق غير مؤثرة وسطحية وقد حدث معي ان واجهت مثل هذه الفروق السطحية عندما سافرت عام 1980 لأول مرة الى بريطانيا وقد جعلتني أشعر بنوع من عدم التآلف سببه هذا التغيير والنقلة التي حدثت في حياتي وانتقالي للعيش من القاهرة الى لندن، هذا لم يستمر طويلا بعد ان اتضح لي ان هذه الاختلافات مجرد قشور يمكن تجاوزها.
* وماذا عن ديريك؟
ـ هو عاش في القاهرة قبل أن ننتقل الى لندن وحياته فيها على امتداد 3 سنوات والتي بدأت منذ 1977 وحتى 1980 جعلته يقترب جدا من الثقافة والحضارة المصرية وتعايش مع طريقة وحياة المصريين وقد تعرف على عاداتنا وتقاليدنا، وقد حدث معي نفس الشيء عندما سافرت الى بريطانيا حيث استوجب تعايشي وتكيفي مع المجتمع هناك بعض الوقت، وقد اكتشفت ان الاختلافات بين المجتمعين بسيطة ولا تشكل عائقا في سبيل التفاهم والتعايش بين الانجليز والمصريين.
وتدخل ديريك قائلا: كانت لدي فكرة جيدة عن المجتمع المصري وقد تعلمت اللغة العربية وأمضيت فترة في القاهرة قبل الزواج، كان ذلك في الفترة من 1977 وحتى عام 1980 وقد تزوجنا قبل ذلك بعام، وقد حدث نفس الشيء مع نادية ربما ساعدها على التفاهم والتعايش مع الثقافة البريطانية وقد ساعدها على ذلك وجودها في الجامعة الاميركية بالقاهرة حيث كانت تدرس الأدب وقد وفر لها هذا خبرة جيدة بالآخر ووفر لها مساحة جيدة من التعامل والتعايش مع الآخر.
وقد كان الأمر على الجانب الآخر صعبا على عائلتها في مصر لكن مثلما تقول نادية عندما يكتشف الناس بعضهم يصبح التعايش على المستوى الأسري سهلا وبلا أي خلافات جوهرية، يقف وراء ذلك أن الأفكار والطموحات لا تختلف أبدا بين المصري والانجليزي وقد تعرفت على عائلة نادية وجاءت عائلتي الى مصر من أجل اتمام الزواج، وقد جاءوا بعد ذلك وزارونا كثيرا في بريطانيا وقد توافق والد نادية الكاتب الكبير د.يوسف جوهر كثيرا مع الريف عندما زارنا في قريتنا الانجليزية وتآلف بسرعة مع أبي بعكس نادية التي تحب زيارة الريف في الاجازات ولا تقوى على الحياة هناك، وقد جعلنا التفاهم والتعايش الذي حدث بين العائلتين أسرة واحدة.
وعن الظروف التي صاحبت اتمام الزواج بين الليدي بلاملي والسفير البريطاني ديريك بلاملي قالت: الوقت الذي تزوجنا فيه ربما كان غير مألوف وقليلا نوعا، وقد كان هناك نوع من الحذر لدى والدي يوسف جوهر، وقد كان لايتحدث مع ديريك عندما يزورنا في المنزل وقد كان هذا ناتجا عن كونه صعيديا، لكنه مع ذلك لم يكن يحب التدخل في شؤوننا، وكان يتركنا نختار ما نريد وقد حدث بالفعل عندما تدخلت وأخبرت أسرتي ان ديريك جاد في مسألة الزواج اذا وافق أبي لأنه كان رومانسيا، وقد قال لي ان هذا قرار كبير ولابد أن تستوثقي من شعورك وتتأكدي ان الحب هو الذي يربط بينكما، وقد كان هذا الرد من أبي مدهشا جدا وقد شجعني في آخر لحظة أكثر من أمي التي نصحتني بالتفكير والتروي وقالت لي ان الشباب متحمس بطبيعته ولابد من التفكير بالعقل في مثل هذه الأمور.
* وماذا عن دراستك في الجامعة الاميركية؟
ـ في بداية الأمر كانت لدي رغبة رومانتيكية هي دراسة الطب، لكن كان واضحا جدا أنني لن أتحمل هذه الدراسة، كان أبي غير موافق على ذلك لمعرفته بطبيعتي لكنه عندما اتخذت قراري بدراسة الطب لم يرفض، لكني لم استمر طويلا فيها حيث اتجهت الى دراسة الأدب بعدها اتجهت الى الدراسة الأكاديمية وكان أبي يشجعني عليها ربما بسبب شعوره ان الأدب ملائم أكثر لي وأنا أحبه فعلا.
* وماذا عن ديريك وعلاقته بالقاهرة وهل يأخذكم لزيارات ما؟
ـ قبل زواجنا وبعده كان ديريك هو الذي يساعدني في معرفة القاهرة واكتشافها، وقد جعلني أثناء فترة الخطوبة اكتشف الكثير من مناطق وآثار القاهرة الاسلامية وأنا بطبيعتي أحب تلك المباني الأثرية القديمة وفي القلب منها الآثار الاسلامية، كنا مثل أي شاب وفتاة مصريين نتقابل في المقاهي ونجلس بجوار شاطئ النيل وقد زرنا بعد الزواج الأقصر وأسوان. نحن نعشق المناطق الأثرية المصرية وهو ما يتجلى في شغفنا بالآثار التي جعلتها الحضارة المصرية على مر العصور من خاقانات وأسبلة ومساجد وكنائس ومبان ومقابر قديمة وقد تجولنا أثناء هذه الرحلات الكثير في مناطق القاهرة مثل باب زويلة.
* ليدي بلاملي ما الذي جعل ديريك بلاملي شغوفا بالحضور في المناطق الأثرية والتعرف عليها؟
ـ هذا الحب والشغف بالمناطق الأثرية في مصر والرغبة المستمرة في قضاء أوقات كثيرة بها ربما ناتج عن معرفته بها ربما أكثر من المصريين أنفسهم وربما نابع من يقين الأجنبي بشكل عام بأن فترة وجوده على أرض مصر قصيرة ويجب عليه أن يتعرف على أكبر عدد من المناطق السياحية ويزورها، وهو يحاول بقدر طاقته أن يعرف ويكتشف بنفسه هذه الأماكن والحضارة التي تمثلها وقد مررت بنفس هذه المشاعر عندما زرت بريطانيا لأول مرة، فقد كنت متحمسة لزيارة ومشاهدة أشياء كثيرة والتعرف على الكثير من البنايات القديمة والمتاحف.
* ماذا احببتم في الصعيد؟
ـ الاقصر مدينة سياحية متكاملة ومثلها مدينة ادفو وديريك؟
ـ أنا لمست جمال مدن الاقصر وادفو وأحب اسوان والناس هناك وقد زرنا فندق كتراكت وهو رائع جدا وأنا أعتقد ان الصعيد به الكثير من المدن الجميلة وناسه أكثر هدوءا من أهل القاهرة.
* هل هناك سهولة في تكيف المصري مع الحياة في لندن؟
ـ يجوز الحياة في لندن أسهل على العربي والمصري من أي مدن أخرى أوروبية بسبب طبيعتها الكوزموبوليتانية وهي تضم كثيرا من الجاليات العربية والكثير من المؤسسات أيضا، وهذا يسهل كثيرا من حياة المصري والعربي هناك ويؤدي الى حالة من الانسجام السريع مع المدنية وهذا حدث مع نادية لكنها عندما ذهبت الى الريف لم تشعر بألفة.
* لماذا ليدي بلاملي؟
ـ تربيت في القاهرة وهي مدينة ذات طبيعة خاصة وصاخبة وأرى ان الخروج الى الريف يكون فقط في الاجازات ولقضاء فترات الراحة لكني اعتقد ان الحياة فيه تكون صعبة على أبناء المدن بسبب تعودهم على رتم الحياة السريعة وصخب المدن.
* هل يعتقد ديريك بلاملي ان العلاقة بين زوجين من ثقافتين مختلفتين صارت أسهل حاليا؟
ـ العالم يصبح يوما بعد يوم أكثر قربا من أي وقت مضى والانسان صار واحدا في كل مكان، وليس هناك على الكرة الأرضية انسان واحد لا يتعرض لنفس الضغوط التي يتعرض لها غيره، وأنا اعتقد ان الثقافات تقترب من بعضها وان الاختلافات سوف تذوب تدريجيا.
* وما رأي الليدي بلاملي؟
ـ هذا يبدو واضحا حاليا في مصر فقد زادت كثيرا حالات الزواج من أجانب، ولم تعد هناك فروق شاسعة تمنع التفاهم والتلاقي بين المصريين وغيرهم من أبناء الغرب.
* وهل لمست هذا ديريك؟
ـ كنا محظوظين. عشنا في مدن كثيرة بعد الزواج وتعرفنا على خليط من الأجناس أثناء وجودنا في واشنطن ونيويورك والرياض والأخيرة مدينة كبيرة بها أجانب كثيرون وقد كان من السهل أن نلمح التفاهم الواضح والسهل بين أبناء الثقافات والبلاد المختلفة التي تعيش هناك.
* الكاتب يوسف جوهر الذي تظهر مقاومة الاحتلال الانجليزي لمصر واحدة من موضوعات قصصه القصيرة الأساسية، ماهي نوعية الأحاديث التي كان يديرها مع ديريك بلاملي زوجك؟
ـ بعد أن تعرف أبي بديريك حكى له جولاته النضالية التي كان يخوضها في مواجهة قوات الاحتلال ومشاركاته في التظاهرات التي كان يقوم بها الطلبة ضد الانجليز، وكان هو يشارك معهم حين كان طالبا في كلية الحقوق، ورغم كل هذا التاريخ في النضال الذي يحمله أبي ضد الانجليز إلا انه عاد ووضع يده في يد ديريك من أجل اتمام الزواج وهو ما يعني ان الانسان قادر على تجاوز الاحداث والتطلع دائما للمستقبل وهو كان قادرا على ذلك.
* ماذا كان رد فعل أقربائك في مصر عندما عرفوا انكم قادمون الى القاهرة؟
ـ كان استقبالهم لنا أكثر من رائع وأنا فخورة به وممنونة أيضا، وقد اتصل بي الكثيرون من أصدقاء أبي وأبناء جيله وعبروا عن فرحتهم بوجودنا في القاهرة، وعندما وصلنا الى هناك بدأنا في ممارسة حياتنا والجلوس في الأماكن التي كان يتحرك فيها اللورد كيسلر وكرومر.
* ماذا عن أبناء ديريك والليدي بلاملي، وعلاقتهم بمصر؟
ـ أولادنا ثلاثة سامويل وجوزيف وسارة، وقد تربوا على سماع العربي وفهمه، وهم يأتون بزيارات دائمة للقاهرة حيث ما زال لنادية أخ وأخت يعيشان في القاهرة، ونحن حريصان على ذلك حتى نعطي لأولادنا تجربة مصرية.
* كيف يمكن ان يستفيد السفير ديريك بلاملي من نصفه المصري في ادارة العلاقات المصرية الانجليزية من القاهرة؟
ـ أنا أشعر ان هناك أشياء مهمة سوف نقوم بها لصالح العلاقات المصرية الانجليزية انطلاقا من خبرتي ومعرفتي بمصر والمصريين وسوف أعمل على تنشيط العلاقات الاقتصادية بين مصر وانجلترا على مستوى المشاريع الاقتصادية المشتركة وجذب الاستثمارات الى مصر بالاضافة الى تبادل الخبرات في التعليم والتدريب وهو ما يمكن ان يقوم به المجلس الثقافي البريطاني في القاهرة.
وقد فرحت كثيرا بقرار تعييني سفيرا لحكومتي في القاهرة وهذه فرصة وأنا مدرك وأفهم مشاعر الناس وسوف أنقلها الى الحكومة البريطانية في لندن وسوف أشرح بسهولة أكثر وأوضح المواقف البريطانية، وأنا ونادية أعتقد قادران على فهم مشاعر الناس وسوف يساعدني هذا على توصيلها بشكل جيد الى الحكومة الانجليزية، كما سوف أشرح بنفس السهولة أسباب المواقف الانجليزية.
* وماذا عن تصورك لما وصلت إليه العلاقات المصرية البريطانية؟
ـ اعتقد انها في أحسن ما يكون، فقد زادت الصادرات المصرية الى بريطانيا مرتين في الاربع سنوات الماضية، كما ان الاستثمارات البريطانية في مصر أكبر من أي دولة أخرى، واعتقد ان هذا أساس قوي للعلاقات بين البلدين، وأعتقد ان العلاقات الاقتصادية بين مصر وانجلترا يمكن أن تكون أساسا قويا لتمتين العلاقات على المستوى الشعبي.
* أولادكما في لندن وانتما هنا في القاهرة كيف تديران علاقتكما بهم؟
ـ الليدي بلاملي: هناك قوانين، وهناك فرق بين الأسر وبعضها في التربية.
ـ ديريك بلاملي: نادية تقول ممنوع الخروج بعد الساعة العاشرة.
ـ الليدي بلاملي: هم يعرفون جيدا أننا نخاف عليهم، وهم يحترمون ذلك، واذا تأخروا عن الوقت المسموح به يتصلون ويقولون سبب ذلك، ويعرفوننا بموعد رجوعهم. ونحن كأهل وضعنا شروطا لتربيتهم وهم ملتزمون بها، وهذه من الاشياء التي اقتربنا أنا وديريك فيها كثيرا، وأعتقد انه شيء جيد لاقامة علاقة أسرية جيدة بين الأسر التي ينتمي طرفاها الى ثقافتين مختلفين.
* هل كانت لكما وجهتا نظر مختلفتان في مسألة مشاركة بريطانيا في الحرب ضد العراق انطلاقا من كون الليدي بلاملي مصرية وديريك انجليزيا؟
ـ بريطانيا دولة ديمقراطية وهناك مظاهرات كثيرة كانت تسمح بها الحكومة البريطانية ترفض الحرب، ونحن في البيت كنا نتحدث عن ذلك كثيرا وديريك نفسه ساهم في مشروعات كثيرة خاصة بالعراق.
* ما هي؟
ـ عندما كنت وكيل وزارة في لندن كنت مسؤولا عن صياغة القرار 1284، كما كنت من كتاب قرار النفط مقابل الغذاء في محاولة لمساعدة الشعب العراقي، وتعرفت من خلال ذلك على الموقف العراقي المتردي أيام حكم صدام.

الأربعاء، 25 فبراير 2009

لا يعرف الأوروبيون الكتاب العربي لأنهم لا يعرفون العرب

مارينا ستاغ: لا يعرف الأوروبيون الكتاب العربي لأنهم لا يعرفون العرب
المستعربة السويدية: على الناشرين العرب أن يقوموا بتغيير وجهة النظر العنصرية ضد الأدب العربي
حمدي عابدين
السويدية مارينا ستاغ، استاذة الادب العربي الحديث في جامعتي استوكهولم واوبسالا واحدة من المترجمين السويديين المهتمين بترجمة الأدب العربي، خاصة الرواية الى اللغة السويدية. وقدمت للقراء هناك عددا من الروايات العربية مثل «الخماسين» لغالب هلسا و«نجمة اغسطس» و«اللجنة» لصنع الله ابراهيم، ومجموعة قصصية لنبيل ناعوم و «نزيف الحجر» لابراهيم الكوني و«ريش» لسليم بركات، بالاضافة الى سيرته الذاتية. وتمارس ستاج إلى جانب الترجمة النقد، ولها كتاب يدرس في الجامعة حول النثر العربي نشرته عام 1996. «الشرق الأوسط» التقت مارينا ستاج في القاهرة وكان هذا الحوار:
* ما حجم الاهتمام بالادب العربي في السويد؟
ـ هناك اهتمام كبير يظهر واضحا من دور النشر التي تعمل في مجال نشر وتوزيع الرواية والقصة العربية وهي كثيرة، منها دار الحمراء ويديرها ناشر سويدي من اصل لبناني يدعى هشام بحري. وتنشر هذه الدار الكتب المترجمة مع مقدمة تعريف بالكاتب صاحب الرواية واعماله. وقد نشرت مجموعات شعرية لادونيس الى جانب كتاباته النقدية. وهناك دار نشر اخرى اسمها «ليوبورد» ومعناها النمر الارقط، وقد دخلت دار اخرى الى مجال نشر الكتب العربية المترجمة الى السويدية هي دار عصفور وجميعها قدمت عددا كبيرا من الروايات العربية التي ساهمت في ايجاد مساحة من القراء السويديين الذين يهتمون بالادب العربي.
* وما هي الترجمات الأخرى التي قدمتها هذه الدور للأدباء العرب؟
ـ دار عصفور نشرت الكثير من الكتب في السنوات الاخيرة، حيث قامت بترجمة السيرة الذاتية لسليم بركات مباشره من العربية وكذلك روايته «ريش»، واصدرت ايضا السيرة الذاتية لرشيد الضعيف «عزيزي السيد كاوباتا» ولادوار الخراط روايته «ترابها زعفران» و«البئر الاولى» لجبرا ابراهيم جبرا، كما قامت بنشر رواية رؤوف مسعد «بيضة النعامة». اما دار الحمراء فقد قامت بنشر رواية «نزيف الحجر» لابراهيم الكوني و«الخماسين» لغالب هلسا، و«نجمة اغسطس» و«اللجنة» لصنع الله ابراهيم، ومجموعات شعرية لادونيس.
* هل هناك دور نشر كبيرة مهتمة بترجمة الادب العربي؟
ـ رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها المترجمون في السويد للتعريف بالادب العربي والاهتمام النسبي للقراء، إلا انه لا توجد دار نشر واحدة كبيرة لدينا مهتمة بالادب العربي. والشيء الغريب ان الدارين الكبيرتين في السويد لم تنشرا أي ترجمة لرواية عربية أو مجموعة قصصية أو حتى ديوان شعر لكاتب عربي واحد إلى اللغة السويدية.
* ما حجم حضور الكتاب العربي في السويد إذن؟
ـ توجد لبعض الكتاب العرب ترجمات كاملة، ومن هؤلاء الجزائري الطاهر بن جلون وهو معروف لدينا. لكن ترجماته برغم ذلك، تصدر من دار نشر صغيرة.
* هل تتمتع الدور الصغيرة المهتمة بترجمة الادب العربي بالاستقرار الاقتصادي؟
ـ نشر وترجمة الأدب العربي في السويد وربما في بلاد اخرى أدى الى افلاس معظم دور النشر المهتمة بالادب العربي، وهذا ما حدث لدار الحمراء التي انتهى الجهد الذي تبذله الى افلاسها، وقد عاود صاحبها نشاطه بعد ان توقف لبعض الوقت وباع ما لديه من كتب مترجمة وهو الان يلجأ الى الاقتراض لكي يبدأ من جديد.
* هل هناك من يشير عليك بترجمة عمل أدبي ما، أم أنك تعتمدين على نفسك في اختياراتك الروائية والقصصية التي تقررين ترجمتها؟
ـ انا بالطبع اتابع بشكل جيد أعمال المبدعين العرب واختار ما يعجبني للترجمة، لكن جهدي رغم ذلك لا يمكن ان يساعدني على تغطية كل ما يصدر من ابداعات عربية، لذا قد الجأ احيانا الى اصدقاء للتعرف على ما يصدر هنا وهناك. وقد يتصل بي احدهم ويرشح كتابا ما للترجمة مثلما حدث مع «باب الشمس» رواية الياس خوري، وقد رشحها لي احد الاصدقاء للقراءة، ومن كثرة ما سمعت عنها تحمست لها كثيرا، وبدأت في قراءتها وعندما انتهيت منها عرض علي احد الناشرين في السويد ترجمتها ونشرها وسوف تصدر في عام 2005. وسوف اترجم لهذه الدار ايضا رواية «وردة» لصنع الله ابراهيم و«موسم الهجرة الى الشمال» رواية الطيب صالح.
* كيف يمكن برأيك مساعدة دور النشر المهتمة بالادب العربي في السويد؟
ـ دور النشر الصغيرة في السويد تنشر طوفانا من الترجمات للأدب العربي، وهذا الطوفان يجب متابعته من جانب النقد الذي قد يحسن نوعا ما من فرص التوزيع، وكل دار نشر تحتاج الى مساعدتها، حتى تكون حرة في اختياراتها ولا بد من وجود دعم من المؤسسات المهتمة بنشر الادب العربي في أوروبا، ولنا في المؤسسات الاوروبية خير مثال على ذلك، فهناك مشروع ترجمة اوروبي يقوم عليه المجلس الاعلى للثقافة الاوروبية، يهتم بنشر الابداع الادبي لدى البلدان في باقي انحاء العالم، وفي مدرسة الترجمة بطليطلة باسبانيا هناك امكانيات كبيرة، وهذه المدرسة تنتقي المترجمين والكتاب وتدور مناقشات حول نصوص ابداعاتهم في ما بينهم وبين المترجمين بعدها تبدأ عمليات الترجمة.
* ما هو حصاد هذا المشروع؟
ـ المشروع ترجم 20 كتابا عربيا بعدها توقف لانه كان محددا بوقت معين.
* ما مدى تأثير العامل التجاري في الاعمال العربية المترجمة؟
ـ توجد مشكلة عامة بالنسبة لسوق الكتاب لدينا، إذ سادت تقريباً، وخصوصا في السنوات العشر الاخيرة، النظرة الاكثر تجارية لدى الناشرين. من قبل كان الناشرون اكثر احتراما ومسؤولية، اما الحال اليوم فيتمثل في ان الناشر يختار الكتاب الذي يعرف انه سوف يحقق مبيعات جيدة، هذا بخلاف الناشر التقليدي الذي كان يدير عملية النشر لديه من النصوص الجيدة التي يعرف انها قد لا تحقق ارباحا. الصبغة التجارية هذه أثرت كثيرا في الناشرين وجعلتهم يترددون قبل اختيار العناوين، فهم لا يقدمون كتابا للنشر قبل ان يعرفوا كم سيبيع من نسخ لدى القراء الذين أغلبهم ذوو معرفة قليلة بالعالم العربي، وحيث يسود تصور عام بأن أغلب الناس في البلاد العربية اسلاميون، متخلفون وتقليديون وهذا كله يؤثر في توجهاتهم من اجل شراء الكتب والابداع العربي.
* ما هو المخرج إذن؟
ـ في ظني هناك ضرورة حاليا لان يتحمل الناشر مسؤوليته واعتقد ان دور النشر العربية الكبيرة يجب ان تقوم بدور في هذا المجال من اجل المساعدة في تغيير وجهة النظر العنصرية ضد الادب العربي.

أمثال المصريين تحكي أمزجتهم

أمثال المصريين تحكي أمزجتهم
حمدي عابدين
يحلل الدكتور ابراهيم احمد شعلان في كتابه «الشعب المصري في أمثاله العامية» المكونات الجوهرية للشخصية المصرية على امتداد تاريخها حتى يمكن فهم خفاياها وأسرارها وكشف اعماقها، وقد حاول المؤلف عبر دراسته الامثال ووضعها موضع البحث والتدقيق ابراز العناصر الاصلية في الشعب المصري ومعرفة ما ألصق بها من عناصر زائفة.
وتغطي الامثال التي قام بتحليلها الدكتور شعلان قطاعات وفئات عريضة من المصريين وحياتهم وما فيها من تيارات ظاهرة وخفية، وقد حاول المؤلف اثناء تحليله للامثال الشعبية المصرية عدم تحميلها تفسيرات اكثر مما يتصور الرجل الشعبي والجماعة الشعبية، كما حاول فك التناقض الذي يدور في الامثال نتيجة لطبيعة الدور الذي يقوم به كل مثل ووظيفته التي اطلق من أجلها مشيرا إلى ان سبب ذلك يرجع إلى ان المثل عملة يومية تعبر عن موقف في زمن محدد قد يتغير بعد فترة.
قسم الدكتور شعلان كتابه إلى بابين ناقش في الاول الدراسات الادبية التي تناولت المثل العامي، مشيرا إلى ان المثل سلاح قوي يشهره العامة في مواجهة الانحرافات الاجتماعية وهو سياج من القيم يضربه المجتمع من حوله لكي يحمي نفسه وعاداته وتقاليده ليحفظها من الشطط او المروق وهو بذلك يأخذ دورا يظهر فيه اثر التشريع الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الناس.
وذكر الباحث ان الامثال يمكن ان تنهض كدليل صادق للتيارات الاجتماعية كما انها من المصادر المهمة للتاريخ الاجتماعي للامم والمثل في سبيله الى ذلك لا يحتوي في مضمونه الفكري على مبادئ الاخلاق فقط ولكنه ايضا يتضمن الرذائل وهى وسيلته في كشف الشر وتعريته والحث على الخير والدعوى اليه.
وقال ان مثل «خلص تارك من جارك»، و«جينا نساعده في دفن ابوه فات لينا الفاس ومشي»، و«ان دخلت بلد تعبد العجل حش وارمي له» رغم انها تذكر بعض العيوب الاجتماعية وتضعها امام الناس مكشوفة الا انها تتوسل بذلك من اجل محاربتها والتخلص منها، واشار الى ان هناك امثالا اخرى تقابل الامثال السابقة مثل «ابطئ ولا تخطئ» و«اجود من الدهب اللي يجود بالدهب» و«اخلص النية وبات في البرية» وهى امثال تقوم على معان سامية وهى مع غيرها من الامثال التي سبقتها تهدف إلى دفع الانسان للاتجاه نحو الخير وتحذره من طريق الشر، والمثل بهذه الصورة يعتبر اسلوبا شعبيا للنقد والتقويم يعكس امال الناس وافكارهم وتجاربهم.
وذكر الباحث ان المثل يكشف التفكير الشعبي ويوضح نظرته الموضوعية إلى دقائق الظواهر معتمدا في ذلك على المشاهدة العابرة وهو يضع خلاصة التجارب التي حصلها السابقون امام الاجيال اللاحقة لكي تستبصر بها في حياتها.
وفي الباب الثاني من كتابه تحدث الدكتور شعلان عبر دراسة تطبيقية على الامثال الشعبية عن نظرة الجماعة الشعبية لحكامها، مشيرا إلى ان علاقة المصري بالحاكم كانت دائما يشوبها الشك وعدم الثقة المتبادلة حيث لم يجد المصري في حاكمه الا قوة غاشمة، وقد دفعته نظرته هذه إلى العزلة عن الحكام واللجوء إلى اسرته الصغيرة، وقد افرغ الشعب المصري كثيرا من مشاعره واحاسيسه حول الحكام بحيث يستطيع الناظر فيها ان يرى صورة حقيقية لمدى ما يتركه الحاكم من اثار على حياته، وقال ان المصري يكره الحاكم في كل صوره، انه يكره الادارة والقوة التي تسلبه حريته وقوته وكرامته وحياته، وتظهر الامثال علاقة المصري بحكامه في صورة من الخوف والشك، والشعب بسبب ذلك يظل مترددا ان يتحدث عن ظلم الحاكم وجبروته لان عيون الحاكم منتشرة ولا يفطن لها الناس وهذا ما يترجمه المثل الشعبي
«الحيطة لها ودان» و«حاكمك غريمك وان ما طعته يضيمك.
» ومن هنا يمكن معرفة صورة الحاكم عند المصري فهو يراه عدوه الذي لا يأمن جانبه، ويراه مضرا على طول الخط فهناك مثل يقول «فر من السلطان فرارك من الاجرب»، و«اللي يأكل مرقة السلطان تنحرق شفته».ويذكر المؤلف انه رغم ان الامثال دعت المصري إلى البعد عن الحاكم وتلاشي اذاه الا انها حملته المسؤولية فيما يطاله من اذى حيث يقول المثل «يا فرعون ايش فرعنك قال مش لاقي حد يردني»، فالبعد عن الحاكم والخوف من مواجهته بأخطائه والجبن عن المطالبة بالحقوق والحريات من اهم العوامل التي تساعد الحاكم
على العنف والجبروت ضد رعاياه.
ويقول الباحث ان المثل الشعبي لم تقف حدوده عند علاقة المصري بحكامه لكنها تجاوزتها إلى قضاته وقد صور العلاقة بينهما في صورة من الشك وفقدان الثقة وهذا ما يشير اليه مثل «يفتن على الابرة ويبلع الميبر» و«القاضي ان مد يده كترت شهود الزور»، فالقاضي كما تصوره امثال المصريين رجل لا تهمه سوى مصلحته الشخصية يسخر العدالة لتحقيق اغراضه على حساب المصلحة العامة.
وذكر الباحث انه رغم ما اشارت له الامثال من تصور للمصريين حول الحاكم والقاضي
ودعوتها للابتعاد والتواري خشية التعرض للظلم الا ان المصريين ابتكروا امثالا اخرى تدعو لمقاومة الحاكم وظلمه والوقوف ضد ما يتعرض له من مظالم حيث يقول المثل «كل انسان في نفسه سلطان» و«الضرب بالسيف ولا حكم الويل في» و«القعدة على الكوم ولا الحوجة للعدو يوم» وهو هنا يظهر في صورة الساخر من الحكام تارة والمقاوم لهم تارة اخرى.
وقد افرد الدكتور شعلان قسما خاصا من دراسته للامثال التي تتحدث عن الاسرة في المجتمع المصري وكيف يدير شؤونها وكيف يتعامل الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها واقاربها وفي منزلها ومع اهل زوجها، كما قام بتحليل الامثال التي تصور علاقة المصري بجاره ونظرته للعمل والمهن والطوائف. كما تحدث عن نظرة المصري للمال حيث يرى ان قيمة الانسان مستمدة مما يملكه من مال «اللي ما عنده فلس ما يساوي فلس» والنقود عند المصريين صيادة «القرش صياد» والمال له كلاليب من حديد ويرى المصري ايضا انها قادرة على تذليل العقبات وتسيير الامور حيث يقول المثل «افتح جيبك ينقفل عيبك» فهي دواء يستطيع المرء أن يغير من خلالها وضعه الاجتماعي بمجرد امتلاكها.

حوار مع الكاتب محمد حمدي مؤلف كتاب أسياد وانفصاليون

حمدي في كتابه «أسياد وانفصاليون»:
لحظة انفصال جنوب السودان عن شماله مسألة أكيدة وانظروا للسوابق التاريخية
حمدي عابدين
يناقش الكاتب الصحافي الزميل محمد حمدي في كتابه «اسياد وانفصاليون»، الذي يصدر قريبا عن مركز ميريت للنشر والمعلومات بالقاهرة، جذور وأسباب المشكلة السودانية، المتشابكة على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، ويطرح وجهة نظر خاصة لا بد أن تثير الكثير من الخلاف والنقاش:
* تحدثت في كتابك عن مشكلة شمال السودان، وتوقعت انفصاله في المستقبل. ألم تبالغ في ذلك؟
ـ نعم، تحدثت عن حتمية الانفصال بين شمال السودان وجنوبه، وقلت إن توقيع برتوكول ماشاكوس يمثل لحظة حسم تاريخية للازمة، وأرى أن تقرير المصير سوف يؤدي بشكل طبيعي ومنطقي لتكوين دولتين في الجنوب والشمال، وهذا سوف يحدث رغم التأكيدات التي يسوقها المسؤولون السودانيون، وما يزعمونه من انهم، في الفترة الانتقالية التي نص عليها الاتفاق، سيتخذون خطوات ترفع الظلم التاريخي عن الجنوب، وذلك من خلال تطبيق مبادئ فصل الدين عن الدولة وتقاسم السلطة والثروة بين شمال البلاد وجنوبها.
* ولكن ما الذي تستند اليه؟
ـ حتمية انفصال الجنوب السوداني عن الشمال يمكن استنباطها من دروس التاريخ وسوابقه حيث لم يحدث من قبل ان صوت شعب في استفتاء لتقرير مصيره لصالح دولة الوحدة والبقاء في الدولة المركزية، ويسوق للتدليل على ذلك ما فعله السودانيون انفسهم اثناء تقرير مصير السودان في عام 1955، عندما خرج ابناء جنوب الوادي في مظاهرات تدعو الى الوحدة مع مصر لكن حين جاءت ساعة الحسم وضعوا ورقة الانفصال في صناديق تقرير المصير. من المنطلق نفسه، ان قلوب الجنوبيين مع الدولة السودانية الموحدة لكن سيوفهم عليها. من هنا سوف يكون الانفصال هو السيئ والشر القادم، الذي لم يعد من الممكن منعه.
* وما هي جذور المشكلة السودانية من وجهة نظرك.
ـ جذور الازمة السودانية تعود الى الادوار التي لعبها المسؤولون السودانيون في الحقب السودانية المختلفة، وفي مرحلة ما قبل الدولة السودانية وما بعدها، وقد قمت في الكتاب باستعراض المخططات التي لعبها الانجليز ودور الكنائس الغربية في ترسيخ ثقافة الانفصال، واشرت الى الدور الذي تلعبه امريكا في الوصول الى لحظة الانفصال، والخطط التي رسمها الغرب لتفكيك الدولة السودانية الى دولتين: اسلامية في الشمال وعلمانية في الجنوب تربط بينهما وبين الاخيرة علاقات من شأنها الاستفادة من منابع الثروة البترولية التي ظهرت في أراضيها.
* من هم المسؤولون السودانيون الذين ترى انهم مشاركون في ترسيخ ثقافة الانفصال؟
ـ الصادق المهدي ود. حسن الترابي، فهما مسؤولان بدرجة كبيرة عن الوصول الى لحظة اعلان الانفصال واعتبرهما مهندسي حق تقرير المصير الذي قاد بعد ذلك في يوليو (تموز) 2002 الى توقيع «بروتوكول ماشاكوس» وهو مشمول بمراقبة دولية، ومدفوع بقوى امريكية الى إنهاء علاقة الجنوب السوداني بشماله.

حوار مع الفنان الألماني دانيال هيس

الألماني دانيال هيس يرسم على إيقاع الموسيقى الحية في حضور الجمهور
حمدي عابدين
الفنان التشكيلي الالماني دانيال هيس واحد من الفنانين الغربيين الذين ارتبط اسمهم بالوطن العربي. زار القاهرة أكثر من مرة واشترك في مهرجاناتها الفنية ودرس الفن في جامعاتها، كما زار دمشق وصنعاء، وهناك درس الفن لتلاميذها من الفنانين. ولم يتوقف الأمر بالنسبة له عند حد التدريس بل تجاوزه الى استيحاء الأجواء الشرقية، وتجسيدها بشكل اشاري من دون تصريح أو وضوح.
بدأ هيس حياته مدرساً مساعداً بجامعة دوسلدورف الالمانية في السبعينيات، وفي عام 1983 تم تعيينه استاذاً في كلية الفنون بجامعة زيجن لتدريس فن اللوتوغراف (الحفر على الخشب). وقد وصل الى القاهرة ليقدم في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل تجربة فنية فريدة، وهي الرسم بمصاحبة الموسيقى، وسوف يصاحبه في هذا العرض عازف الكلارينيت في دار الاوبرا الدكتور محمد حمدي الاستاذ في معهد الكونسرفتوار.
وفي هذا الحوار يكشف لنا هيس الأبعاد الفنية لهذه التجربة:
* هل هذه التجربة ارتجالية؟
ـ لا، وحتى لو بدت كذلك، فنحن نعمل الآن مجموعة من البروفات لخلق حالة من الانسجام بيني وبين الدكتور حمدي، حتى نتوافق حسياً. وفي البروفات الثلاث التي قدمناها حتى الآن لم يتغير الأمر كثيراً بالنسبة لي. وأيضاً على مستوى الموسيقى، رسمت الصورة نفسها تقريباً، وهو أيضاً عزف نفس الموسيقى، وسوف أقدم هذه التجربة أولا في حفل بغاليري «تاون هاوس» وينظمه معهد غوته، ودوري فيها هو انني سوف أرسم لوحة أمام الجمهور على سبورة خشبية معدة لهذا الغرض ومثبتة عليها ورقة بيضاء، وهدفي كسر توازن اللوحة التي أقدمها.
* هل لهذه التجربة جذور؟
ـ بالتأكيد، ولهذا قصة طريفة، فقد كنت في أوقات الفراغ أقوم بالرسم، لكي افرغ ذهني وأجعله في حالة من الاسترخاء. وكنت اعتبر ذلك مجرد تمارين تسبق العمل الذي أستعد له، وقد كنت أحياناً بعد ان انتهي من هذه التمارين، احتفظ ببعضها، وأعلقها على حائط مرسمي، الى أن زارني يوماً أحد الاصدقاء الموسيقيين وأخذ إحدى اللوحات، وعاد بعد عام ليسمعني موسيقى قال لي انها مستوحاة من لوحتي، وقد أسمعني موسيقى محملة بأحاسيس ليست في حسباني، ولم تكن موجودة لديّ عندما كنت ارسم، قد تكون كامنة عندي ولكن هذا هو الوضع بالضبط، وقد قمت ابتداء من هذه الواقعة برسم صور تصلح لتقدم في عرض موسيقي.
* ما هي العروض التي قدمتها بعد ذلك؟
ـ قدمت عروضاً في المانيا على التشيللو مع الفنانين الفرنسي بيرون ويان ديتريش، وقد اعطى الاخير مقطوعته الموسيقية عنوان «Espo حيث اختار آخر حرفين من اسمي، وآخر حرفين من آلة الفلوت، وهناك رسمت لوحة مساحتها متران في متر ونصف وكانت بعرض المسرح، الذي كان يتحرك عليه الموسيقي ويعزف أمام اللوحة كما لو كان يرقص، كان ذلك على مسرح مدينة كنستانس الجنوبية بالمانيا، ثم قدمت أيضاً عرضاً مع الفنانة الاميركية عازفة الفلوت كاميلا هوتينجا المقيمة في المانيا.
* وماذا عن رحلاتك خارج المانيا؟
ـ جئت الى القاهرة أكثر من مرة، الأولى كانت بدعوة من هيئة الاستعلامات، وذهبت وقتها الى الاقصر للتدريس في كلية الفنون الجميلة. وهناك قمت بعمل ورشة عمل مع مجموعة من الطلبة. وقد اتاحت لي هذه الزيارة فرصة مشاهدة المتاحف والأعمال العظيمة التي ابدعها المصريون القدماء عبر العصور المختلفة. بعد ذلك اشتركت في بينالي القاهرة الدولي للغرافيك مرتين، الأولى عام 1996 وكانت الأخيرة عام 2000 الحالي، وقد كان اشتراكي بعمل «لوتوجراف» حفرت في قلبه «احترس الأرض مبتلة» وأحطته بأرضية من الألوان المائية تجعل من يطالعه يستشعر حالتي وأنا اسخر من العالم الذي يحيط بنا.
* هل هذه طريقتك في الرسم؟
ـ عادة ما استخدم عبارات موازية لما أقدمه من أعمال تشكيلية، ومقتطفات من أعمال قصصية وشعرية لمبدعين عرب وأجانب، أمثال بيرون الذي اخذت منه عبارة «انني لا أرى أحداً»، وحجاج ادول الاديب النوبي الذي يعيش في الاسكندرية وغيرها.
* هل حصلت على جوائز في مهرجانات عالمية؟
ـ كثيراً، ولكنني لا أتحدث عنها، ولا يهمني أيضاً أن أفوز بها أو لا أفوز. ما يهمني هو الفن، ان اقدم أعمالاً تعبر وأحبها.
* ما رأيك في ما يسود مصر من اتجاهات فنية؟
ـ القاهرة مثل كل بلاد وعواصم أوروبا يسودها خليط من الاتجاهات والمدارس الفنية، وعموماً أنا أرى ان الفن يصفو، ويصبح جميلا عندما يقدمه الفنان من داخل ذاته معبراً عن رؤيته بتلقائية وعمق، وحتى يصل الفنان الى هذا عليه أن يقيم حواراً مع غيره من الزملاء والجمهور والفنون الأخرى.

الأحد، 15 فبراير 2009

يقبل قدميها ونحن أيضا


أم كلثوم تجدد عرش الغناء من قصر المانسترلي

أم كلثوم تجدد عرش الغناء من قصر المانسترلي على نيل القاهرة
اختارتها مجلة «صنداي تايمز» اللندنية ضمن ألف شخصية صاغوا حضارة القرن العشرين
حمدي عابدين
أم كلثوم التي قالت «نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي»، فعبرت بذلك عن حالنا بعبقرية نافذة، أم كلثوم التي رقت لنا جميعا، وسلبت عقولنا ولم نجد صوتا يعبر عن أشواقنا ولوعتنا التي شعرنا بأنها فاقت حدود طاقاتنا فلجأنا إلى صوتها نستعطف به أحباءنا تارة، وننذرهم بالفراق تارة أخرى، أم كلثوم التي اختارتها مجلة «صنداي تايمز» اللندنية ضمن ألف شخصية صاغوا حضارة القرن العشرين، أم كلثوم التي غادرتنا في فبراير (شباط) 1973، قبل انتصار أكتوبر (تشرين الأول)، فلم تر حصاد بعض ما قدمت بصوتها لنا، أم كلثوم الساحرة التي كانت تمسك في الخميس الأول من كل شهر بتلابيب قلوب العشاق في كافة أرجاء وطننا العربي الكبير عادت من جديد بأصوات نخبة من أجمل أصوات دار الأوبرا المصرية، بحناجر مطربات شابات تربين في أحضان فرقة الموسيقى العربية وفرقة كورال الأطفال التي أسسها المايسترو سليم سحاب فأهدى لنا أصواتا تعرف قدر أم كلثوم وتراثها الغنائي.
التقليد القديم الذي ابتدعته سيدة الغناء العربي، الجالسة على عرشه حتى الآن، قرر المسؤولون عن متحفها في قصر المانسترلي إعادته من جديد، وقرروا أن تكون الحفلة في قاعة كشك الموسيقى الخاص بالمانسترلي باشا، الذي أقام قصره على نيل الروضة منذ 150 عاما في مواجهة أثر آخر هو مقياس النيل يزيد من أسطورة الحفلات بعمره الضارب في القدم والذي يصل إلى 1200 عام، وهناك في هذه القاعة بهوائها الطلق يجلس 200 من خلاصة سميعة كوكب الشرق، قال عنهم المايسترو سليم سحاب انهم اختيروا بعناية من بين عشاق صوت موحدة العرب على كلمة الغناء الحق.
القاعة حرص مصمموها أن تكون بلا أي أجهزة صوت، يستمع روادها إلى أصوات حفيدات أم كلثوم، أمثال ريم كمال وعفاف رضا وغادة آدم وإيناس وأميرة، وعلى القرب من مشاعرك يشعرنك أنهن يغنين لك في بيتك حيث لا ضجيج، أنت فقط هناك تتمايل وتطرب وتبكي لأحبابك، وتتذكر جبلا من المشاعر والأحاسيس مر في بلادك منذ عام 1904، حيث ولدت أم كلثوم في قرية طماي الزهايرة وتوقف قليلا وغاب، غاب بعد أن وضع دستورا للعشق والحب والغناء في روح الناس والأرض والوطن.
ولقراءة عبقرية أم كلثوم، لا بد من متابعة تاريخ حياتها منذ أن كانت طفلة، فقد بدأت الغناء مع فرقة أبيها عندما كانت في الثالثة من عمرها، بدأت بالتواشيح، لأنها كانت موهبة كبيرة التف حولها كبار الملحنين والشعراء والكتاب والمفكرين للتعاون معها، وكانت أول بداياتها إلى قلوبنا طقطوقة «قال إيه حلف ميكلمنيش» التي قدمها لها الشاعر أحمد رامي الذي عشقها وقدم لها قلبه في كلام موزون بميزان روحه ومشاعره، كانت الطقطوقة من أولى ألحان الموسيقار محمد القصبجي لأم كلثوم بعدها غنت له 17 لحنا، لكنها فيما بعد غضبت عليه وحولته من ملحن عظيم إلى عازف في فرقتها إلى أن انفصل عنها ومات عام 1966.
وبحسب المؤرخة الموسيقية الدكتورة رتيبة الحفني فإن زوجة رامي بعد رحيله ورحيل أم كلثوم قالت لابنها أنه كان المفروض أن «يطلقوا اسم أم كلثوم ورامي على حديقة واحدة بدلا من إطلاق اسم كل منهما علىحديقة منفصلة»، وأشارت إلى أن ام كلثوم كانت تتدخل في أعمال الموسيقيين وان الموسيقار الراحل محمد الموجي اعترف بانها كانت تتدخل في ألحانه كثيرا لكنها كشفت أن الموسيقارالوحيد الذي رفض ان يلحن لها هو فريد الاطرش الذي كان لا يقبل التدخل في ألحانه.
ومن الشائعات التي أنتشرت عن أم كلثوم أنها غنت في بداياتها الفنية طقطوقة أسمها «الخلاعة والدلاعة مذهبى» من ألحان أحمد صبرى النجريدى.. إلا أنها بعد أتساع شهرتها تم سحب الطقطوقة وأعادت غناءها وغيرت اسمها الى «الخفافة واللطافة مذهبى».
وكانت أم كلثوم جبارة لدرجة أنها عندما تزوجت مصطفى أمين، وبسبب من مكانتها ورغبتها في السيطرة على قلوب من حولها، أخفت خبر الزواج، ولم تجد أكثر أمانة من الزعيم جمال عبد الناصر ليحتفظ بوثيقة الزواج، العهدة هنا أيضا على الدكتورة رتيبة الحفني، والتي أذاعت هذا الخبر في احتفال مكتبة الاسكندرية، بذكرى أم كلثوم الماضية. الشائعات كثيرة، لكن المؤكد أن كوكب الشرق تزوجت من الملحن محمود الشريف، والطريف أن مصطفى أمين هو الذي أذاع الخبر، ومن بعده تزوجت الدكتور الحفناوي، وهذا الزواج هو الوحيد الذي عرف أخباره عشاقها وانتشر بينهم.
ولم تكن هذه هى شائعة الزواج الأولى التي أطلقت على أم كلثوم فالبعض أكد أنها كانت متزوجة في بلدها طماى الزهايرة قبل أن تأتى القاهرة وتحصد كل هذه الشهرة والنجاح.
والبعض الآخر أكد أنها تزوجت «شريف باشا صبرى» خال الملك فاروق سراً على الرغم من معارضة الملك لذلك. وجميعها أحاديث وشائعات تفتقد الى الدقة والتوثيق.
ومهما كان أمر أم كلثوم وقصص زواجها، فقد ظلت حتى وفاتها، وهو أمر ضد طبيعة الاشياء، تحتفظ بصوت قوي عبقري، وظل العشاق في شتى أرجاء الوطن العربي وحتى بعد مرور أكثر من 33 عاما على وفاتها يتجهون إلى صوتها باعتباره عاصمة الحب وملتقى أنهاره التي ما زالت تجري وعادت لتصب في قصر المانسترلي من جديد في لفتة وصفها المايسترو سليم سحاب، أحد المشاركين في حفلات الخميس، بأنها لفتة حضارية تعيد لأحباء أم كلثوم حقهم في سماعها بأصوات حقيقية تنقذهم من الغبار الذي راح ينتشر في سماء الموسيقى.
وهذا هو الذي جعل الدكتور وليد شوشة، مدير قصر المانسترلي، يقرر أن يعيد حفلات الخميس على متحف أم كلثوم، بحيث لا يتوقف دوره فقط عند كونه مكانا يضم مقتنياتها وأشياءها التي استخدمتها في حياتها وسارت بها بين الناس.
إن عبقرية أم كلثوم لا تتمثل في موهبتها فحسب بل تعدت الي عناصر كثيرة ساعدتها لتقف علي رأس القائمة الغنائية لمطربات جيلها وكل جيل.. وكانت سباقة لمعرفة الظروف الأجتماعية والسياسية التي تحيط بشعبها لذلك جاء توقيع أغانيها نابعاً من أرضية الواقع العربي الملىء بالأحداث والتفاعلات الاجتماعية اليومية. أم كلثوم الصوت العربي الذي مرَّ بمراحل كثيرة ليصل الي مراحله النهائية كانت تبحث ومنذ صغرها عن الأدوات الصحيحة التي تصقل صوتها وتؤهلها الي ان تكون مطربة بمعني الكلمة.. لذلك دأبت ومنذ صغرها علي تجويد وحفظ القرآن الكريم مما ساعدها على أن تكون قادرة علي نطق الحروف بشكلها الصحيح بجانب إعطائها مساحة صوتية هائلة لأداء القفزات اللحنية والتي يصعب اداؤها من قبل أخريات.
ان أم كلثوم صعدت بجدارة وبجهد الي القمة لتخطف لقب (سيدة الغناء العربي) عن طريق عملها الدؤوب والمتواصل لتقديم أغنية عربية يكتب لها الاستمرارية وتسمع في أي وقت وأي زمان.

حوار مع الكاتب المصري الكبير يوسف الشاروني


هذا الحوار أجريته علي مدي عدة جلسات مع الكاتب الكبير يوسف الشاروني, عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية بمصر في أغسطس 2001, وقد كان من أكثر الحوارات الممتعة بالنسبة لي بسبب شخصية الكاتب الكبير الذي يلتقيك وكأنه يلتقي أحد أقاربه القادمين من قريته شارونه في صعيد مصر, هو مصري بكل ما تعنيه الكلمة, مصري حتي النخاع, ويكفي أن تجلس إليه لدقائق حتي تعرف ذلك, وهذا هو حواري معه.
يوسف الشاروني : قصصي غير مسبوقة ولا تتكرر في تاريخ الأدب المصري
الحائز جائزة الدولة التقديرية في الآداب هذا العام بمصر: الغرائبية والكابوسية في كتاباتي نابعتان من مفردات الحياة اليومية
لم يكن حصول الأديب المصري يوسف الشاروني على جائزة الدولة التقديرية في الآداب هذا العام مفاجأة للوسط الثقافي المصري، ليس لان هذه الجائزة جاءته متأخرة عدة سنوات، بل لانه وقبل أي شيء أحد أهم كتاب القصة القصيرة في جيل ما بعد يوسف ادريس. ونشر الشاروني لحد الآن 8 مجموعات قصصية كان آخرها «الضحك حتى البكاء» التي صدرت عن هيئة الكتاب المصرية عام 1997، وله ديوان شعر بعنوان «المساء الأخير» 1963، وأكثر من 26 دراسة نقدية عن الأدب الروائي والقصصي في مصر والعالم العربي، كما ترجمت قصصه الى العديد من اللغات العالمية منها الفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية والصينية. هنا حوار معه عن تجربته القصصية، والاتجاه التجريبي في القصة الذي اشتهر به: * عندي شعور بالأزمات التي تواجه المجتمع، أستطيع أن أتوقعها، وأكتب عنها في قصصي، ومن ذلك قصة «الزحام» والتي تنبأت فيها بثورة يوليو وتحكي عن ساع يعمل في مكتب حكومي وهو فقير الى الدرجة التي جعلته يرتق حذاءه أكثر من مرة حتى ان آخر مرة ذهب فيها الى الاسكافي أخبره أن حذاءه يجب أن يستبدل بآخر، بعدها يعود الى منزله وعندما يستقر في البيت يشعر بأن حدثاً كبيراً سوف يحدث، حدثاً خطيراً وعظيماً سوف يغير حياته. نفس الشيء حدث مع نكسة 67 ففي قصة «نظرية الجلدة الفاسدة» حاولت ان أشير الى الاهمال الذي ينخر في المجتمع، وعدم قيام الموظفين بواجبهم، وحصولهم على مكافآت لأعمال لم يقدموها، وقد جعلت بطل القصة يقول في النهاية انه لكي تطلق أي دولة في العالم قمراً صناعياً لا بد ان لا يضيع جردل أو مقشة من مخزن إهمالا أو سرقة، لان المسؤول في المخزن ربما كان أخاً أو أباً أو قريباً لرائد فضاء قد يأتي في المستقبل وما قصدته هو ان أشير الى ضرورة أن تنتظم المجتمع حالة من الاتساق والوعي والنظام تشمل كل قطاعاته دون تفريق بينها في الأهمية. أما قبل 73 ونصر اكتوبر فقد تنبأت قصة «الأم والوحش» بقدرتنا على تحقيق الانتصار على العدو الاسرائيلي، وفيها تصارع الأم الوحش وتتفوق عليه وتقتله في النهاية دفاعاً عن ابنها. * هل لهذه البصيرة علاقة بالكابوسية التي تتجلى في قصصك وتشكل أحد ملامح الكتابة البارزة لديك؟ ـ لقد بدأت الكتابة بعد الحرب العالمية الثانية، في ظل تطورات حضارية هامة أبرزها الزحام الذي ضرب العالم نتيجة زيادة عدد السكان، وتقدم الطب ونقص الوفيات، وقد أدى هذا الى تفشي «اخلاقيات الزحام» في المجتمعات، وهي بالتأكيد تختلف عن اخلاقيات المجتمعات التي يوجد بها عدد قليل من السكان. ثم يأتي تطور مهم آخر هو سرعة المواصلات والتطور التكنولوجي المذهل في مجال الاتصالات والذي أصبح ممكناً من خلاله تلقى أخباراً متضاربة في اللحظة الواحدة، وكان لا بد في هذه الحالة أن أعبر عن هذا التزامن العاطفي والوجداني، وهذا الاختلاط في الحالات الوجدانية بأسلوب يختلف عن أساليب محمود تيمور ومحمود البدوي ويوسف جوهر وغيرهم، وقد تأثرت كتابتي أيضاً بالحركات السريالية التي ظهرت في فرنسا اثناء الحرب العالمية الأولى وانتشرت في مصر إبان الحرب الثانية، وكان شعارها تقديم أعمال شكلية ورسوم تهتم بتحطيم الحدود وقواعد المنظور، وقد شرحت هذا بالتفصيل في كتاب اهتم بهذا الموضوع عنوانه «التجريد واللامعقول في أدبنا المصري المعاصر»، وقد نشرت فصولا منه في مجلة «المجلة» عام 1964 و1965. هناك شيء آخر اعتقد انه يقف خلف هذه الكتابة الكابوسية والمأساوية وهو احتلال فلسطين أو نكبة فلسطين وهزيمة الجيوش العربية في الأرض المحتلة واعلان دولة إسرائيل، وقد ظللت لفترة طويلة أعتقد ان ما حدث في فلسطين يمكن أن يتكرر، كما جعلني هذا أدرك أن ما بيننا وبين الغرب ليس أزمة اجتماعية فقط لكنه أزمة حضارية. ومع ذلك اعتقد أنني لم أكتب فقط القصة الكابوسية لكنني قدمت أيضاً قصصاً كونية مثل قصة «نشرة أخبار» التي تدور في إحدى حارات القاهرة حيث ينهار أحد المنازل أثناء احتفال إحدى الأسر بزفاف ابنتها في الوقت الذي تقام فيه مراسم عزاء في الطابق الأسفل من نفس المنزل، وعند ذلك يسقط الفرحون على الحزانى بينما يترامى من مقهى مجاور صوت المذيع في الراديو يعلن نبأ وصول الانسان الى القمر، من هنا اعتقد ان كل هذا يعتبر خلفية لأسلوبي الذي لا أدعي انني اخترته، لكنه هو الذي اختارني. * ما الذي دفعك الى الإتكاء على المألوف في الكتابة القصصية رغم جنوح الكثيرين ممن سبقوك لكتابة الاحداث العجيبة لجذب انتباه المشاهد؟ ـ اعتقد ان الغرائبية هنا وكما أراها في كتاباتي أنا هي اتكائي على الأحداث العادية المألوفة عندما يتجه غيري الى كتابة غير المألوف، وأنا أجد في هذه الاحداث المألوفة مواقف مشحونة بالرمز تجعل للقصة مستويين أحدهما يجذب القارىء العادي والآخر يمتع الناقد والمبدع المتخصصين العارفين بعوالم الإبداع وخفاياها. * اتهمك بعض النقاد بأن بعض القصص لديك تستوحي عوالم وشخوص قصص أخرى لأدباء سابقين؟ ـ المبدع يستوحي أكثر من مصدر مثل خبر يقرأه في صحيفة أو تجربة مر بها هو أو أحد معارفه، أما أنا فقد كنت أجلس مع السيدات الثرثارات لاستوحي منهن موضوعات قصص، وربما استفيد في كتابة القصة من طريقتهن في الحكي وأسلوبهن، وقد تستفيد القصة عندي من أعمال أدبية سابقة، حدث ذلك عندما استخدمت شخصيتي «عباس الحلو» و«زيطة» في كتابة قصتين سميت الأولى «مصرع عباس الحلو» والثانية زيطة صانع العاهات، وقد أخذت هاتين الشخصيتين من رواية نجيب محفوظ وأضفت لهما أبعاداً جديدة ضمن السياق القصصي المختلف عن سياق الرواية عند محفوظ. وأنا في هذا لم أفعل شيئاً جديداً على الواقع الأدبي، فما قمت به يعتبر شيئاً مألوفاً ومعروفاً منذ القديم حيث استوحى أكثر من أديب شخصيات سبق صياغتها في أعمال أدبية من قبل مثل كليوباترا وأوديب، وقد انتشر هذا التكنيك فيما عرف منذ عقود قليلة بـ«التناص». والأمر لم يتوقف عندي في قضية التناص هذه عند حدود محفوظ، لكني قدمت تناصاً مع جون بنيان عندما كتبت قصة «سياحة البطل» التي استوحيت فيها تكنيك الرحلة في قصة «سياحة المؤمن» التي كتبها في سجنه في القرن السابع عشر وتحكي عن ما يتعرض له المؤمن من تغيرات ومعوقات في سبيل وصوله الى المدينة السماوية، وقد استوحيت هذه القصة وصورت من خلال عالمها الرحلة التي يقوم بها الانسان العادي من أجل الوصول الى الحب والعمل والسكن. وقد تطور التناص عندي الى حد التناص مع ذاتي وهو ما قدمته في آخر قصة لي بعنوان «الضحك حتى البكاء» التي يحكي فيها البطل تاريخه المستمد من قصتي أنا الكاتب والأديب. * هناك أيضاً من اتهموا قصصك بأنها تخلو من الحدث وان المحرك الأساسي لخط سيرها يكون من خلال وصف نتائجه مما يوقف الحركة الزمنية داخلها؟ ـ هذا رأي النقاد، ولكن الاحساس الذي أعطاه لي المناخ الأدبي انها قصص غير مسبوقة، ولا تتكرر أيضاً في تاريخ الأدب المصري، وأنا عندي مقياس بسيط للقصة الجيدة هو أن تكون قادرة على جذب القارىء لمتابعتها، حتى لو كانت قصة بوليسية، بعد ذلك يأتي دور الحكم عليها، وأنا أكتب قصة تحليلية . فهل التحليل فيها يعوق عملية التشويق، هل يخرجها من الطابع القصصي،؟اعتقد ان التحليل عندي ميزة تضيف للقصة ولا تنقض منها، ولواني لا أدافع عن قصصي، وأتركها تدافع عن نفسها. * لكن ما الذي دعاك إذن الى الاعتماد على تكنيك التناص في كتاباتك؟ ـ في التناص تكون عملية الامتاع ان تقرأ نصاً جديداً وتكون عينك في ذلك على نص مشابه سابق، وفي هذه الحالة يتابع القارىء وهو يقرأ نصه الجديد ما احتفظ به من القديم وما أضاف له. في قصصي يمكنك وأنت تقرأها أن ترى رؤية جديدة مختلفة وهذا ما يظهر في قصة «مصرع عباس الحلو» و«زيطة صانع العاهات»، وهذان الشخصيتان عندما جلبتهما من «زقاق المدق» اصبح كل منهما بمفرده محوراً لقضية من القضايا نتجت من اختلاف زاوية الرؤية عندي عنها في رواية محفوظ، وقد خرجت مثلا من قصة «مصرع عباس الحلو» بأن العالم كله مسؤول عن مصرعه بما فيهم أقرب الناس إليه، وفي «زيطة صانع العاهات» طالبت باقامة تمثال له على رأس زقاق المدق لانه يصنع التشوه ليتكسب الفقراء عيشهم، بينما العالم غير السوي يقيم تماثيل لجنرالات صنعوا التشوه على نطاق واسع ليزحموا العالم بالمعاقين. * لجأت في بعض قصصك الي تصوير كيانات قبيحة ماذا وراء ذلك؟ ـ خلفية هذا الموضوع من الكتابة هو أن أكون من ناحية شاهداً على العصر، وتكون القصة نوعاً من الاحتجاج على وضعنا الحضاري المتخلف الذي يفرز مثل هذا اللون من الكيانات ويبرر انتاجه، وهذا الاحتجاج ظهر واضحاً في قصة «ضيق الخلق والمثانة» والتي حاولت فيها القول ان حرية التبول تقارب حرية التعبير وأن إزالة دورات المياه العمومية لن يزيد المدن العربية جمالا بل على العكس سيؤدي الى انتشار القبح في كل مكان. وفي قصصي من ذلك أمثلة كثيرة كتبتها احتجاجاً على أوضاع معينة أتمنى أن تتغير، كما أقوم حالياً بكتابة قصص بنفس الطريقة الاحتجاجية على الواقع والوضع العربي الراهن، واعتبر نفسي بهذه القصص شاهداً على العصر.

الجمعة، 13 فبراير 2009

مبدعون أم جواسيس في بلاط السلطة

مبدعون أم جواسيس في بلاط السلطة
ظاهرة الوشاية بين مثقفي مصر وقع في حبائلها رموز من الكتاب
القاهرة : حمدي عابدين
ظاهرة الوشاية بين المثقفين، وتفشي كتاب التقارير ضد المبدعين، في مصر وباقي البلدان العربية، هي من القضايا الشائكة في التاريخ الثقافي المصري والعربي، على حد سواء. وقد شغلت الظاهرة بال الكثيرين، وتحدث عنها كتاب كثر، في مذكراتهم أمثال، نوال السعداوي، والناقدة الراحلة لطيفة الزيات، والكاتب سليمان فياض وغيرهم، ممن عملوا مع مبدعين أو صاحبوهم فترة من حياتهم. وهناك صحافيون وكتاب اتهموا مثقفين كبارا، جميعهم أحياء، ومازالوا مقربين من السلطة حتى الآن، بأنهم وشوا بزملائهم، وتسببوا لهم بأذى كبير ما تزال آثاره تحرق وتؤرق.
ثمة وشايات بين المثقفين، مازال يذكرها الكتاب المصريون حتى الآن، وتشكل علامات استفهام كبيرة، كان أكثرها دويا تلك الخطابات التي أرسلها الناقد مصطفى هدارة إلى وزارة الثقافة وجهات سيادية أخرى يستعديهم فيها ضد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وزملائه من العاملين في مجلة «إبداع» بسبب نشرهم عددا من القصائد مصحوبة بصور، رآها هدارة مسيئة للدين، واتهمهم في خطابه بأنهم مجموعة من الشيوعيين وانهم صاروا مسيطرين على المؤسسات الثقافية المصرية. وقد فوجئ هدارة بحجازي ينشر الخطاب الذي أرسله إلى وزير الثقافة. وقبل هذا بسنوات راح الشاعر صلاح عبد الصبور ضحية اتهام رسام الكاريكاتير بهجت عثمان له بأنه باع نفسه للسلطة وخان قضايا الوطن عندما قبل العمل رئيسا لهيئة الكتاب المصرية بعد عودته من الهند حيث كان يعمل ملحقا ثقافيا في السفارة المصرية هناك. وفي منصبه الجديد وافق عبد الصبور على اشتراك إسرائيل للمرة الوحيدة في «معرض القاهرة للكتاب». وقد أحرق المتظاهرون مقر إسرائيل في المعرض، وتعرض عبد الصبور لحرج شديد.
تفاعلت التقارير بقوة أيام عبد الناصر
ظاهرة كتاب السلطة في المرحلتين الناصرية والساداتية، بلغت ذروتها، بحسب سعيد الكفراوي، بحيث كان في كل مطبوعة رقيب تعينه السلطات وتتجاوز مسؤولياته دور رئيس التحرير نفسه، والذي صار حاليا يقوم بالدور نيابة عن الرقيب في المجلة أو الجريدة التي يكون مسؤولا عنها.
كان دور الرقيب اختيار الأعمال التي تصلح للنشر، والإبلاغ عن المواد التي تختلف مع سياسة النظام وتنتقده. كما كان دور الآخرين من كتاب السلطة تقديم بلاغات عما يقدمه زملاؤهم من إبداعات. وكان المصير المحتوم لآي كاتب يتجاوز الخط الأحمر، هو دخول المعتقل الذي لم يسلم منه أحد من الكتاب. ووصل الأمر حد إغلاق المجلات وطرد وتشريد العاملين فيها. ولم يسلم من هذه الإجراءات كتاب كبار مثل لطفي الخولي والمفكر ابو سيف يوسف وغالي شكري، وقد اجبر بعضهم على مغادرة مصر، كما حصل للكاتب الراحل احمد عباس صالح، بعد ما اخذ السادات على عاتقه تصفية المرحلة الناصرية. وكان عباس صالح رئيسا لتحرير مجلة «الكاتب» في ذلك الوقت، وتم طرده هو ويوسف أدريس واسماعيل صبري عبد الله وصلاح حافظ وصلاح عيسى.
سعيد الكفراوي ينفي ان يكون كاتب السلطة بالضرورة كاتبا عديم القيمة، وهناك كثير من الاسماء التي ذكرها، تدعم وجهة نظره امثال، «ف. ف» والراحل «ج. أ» و«ع.س» و«م.أ.س» وغيرهم ، قال عنهم انهم مثقفون كبار ضمن لجنة تضم كبار النقاد تستعين بهم السلطة كلما المت بها الملمات. وقد استعانت بهم السلطة في مصر أثناء مواجهاتها مع التيارات الدينية، وعندما انتهت معاركها معهم استغنت عن هؤلاء الكتاب، لكنهم بقوا جاهزين باستمرار لتقديم المشورة كلما كانت هناك حاجة لذلك. ويؤكد سعيد الكفراوي ان السلطة تجند كتابا كبارا لخدمة مصالحها، وان هؤلاء يجب أن يكونوا قادرين على فك رموز الكتابات الابداعية والبحث فيما وراءها من معان. وهؤلاء الذين استخدمتهم السلطة في المرحلة الناصرية والساداتية، مازالت تستخدمهم حتى الان. وهم الذين كانوا وراء زج الكثيرين في السجون والمعتقلات المصرية، وقدموا تفسيرات رمزية لابداعات هامة مثل «والنهر يلبس الاقنعة» للشاعر محمد عفيفي مطر و«الخماسين» لغالب هلسا و«ثلاث شجرات تثمر برتقالا» ليحي الطاهر عبد الله و«تلك الرائحة» لصنع الله ابراهيم. كل هذه الاعمال وغيرها، كانت ذات منحى رمزي، وكانت السلطة وكتابها الرسميون قادرين على توظيف ملكاتهم في البحث وراء الرموز وزج الكتاب في السجون.
أفكار حديثة للوشاية
الكاتب الصحافي محمد عبد الواحد الذي كان موظفا في وزارة الثقافة، ومقربا من وزيرها حتى وقت قريب، تحدث في كتابه «مثقفون تحت الطلب» عن وقائع دالة لاستعداء السلطة على المثقفين، ولفت الى طرق جديدة يستخدمها مثقفون للوشاية بزملائهم. وذكر محمد أسماء رموز مازالوا في قمة مجدهم يستخدمون الهواتف الجوالة لأداء الخدمات للسلطة مثل، «ف.ف» الذي فتح خط هاتفه الخاص من اجل ان يسمعه عبد الواحد وهو يعنف مثقفا كبيرا مسؤولا عن مؤسسة كانت تستعد لاستضافة شاعر يمر بأزمة مع الأزهر، وكان يحذره ويأمره أن يلغي الندوة. وعندما انتهى من المهمة رفع «ف.ف» الهاتف، محدثا عبد الواحد أن «كله تمام، والمهمة تمت حسب ما تريدون». الغريب أن عبد الواحد نفسه يعترف في كتابه انه كان وراء الكثير من هذه المؤامرات، وانه وراء إلغاء أمسية للشاعر أحمد الشهاوي الذي دعي لقراءة عدد من قصائد ديوانه «الوصايا العشر في عشق النساء» في هيئة الكتاب المصرية وكانت الندوة ضمن امسيات رمضانية، ورأى عبد الواحد أنها يمكن ان تثير ازمة مع الازهر الذي دخل معه أحمد في معركة، قبل موعد الامسية بقليل.
كتاب التقارير في مصر لم يتوقفوا عند استعداء السلطة على زملائهم، باتهامهم بالانتماء لتنظيمات شيوعية، ووصل الأمر حد اتهام البعض بالانتماء الى تنظيمات دينية مثل الاخوان المسلمين. هذا ما حصل مع أنيس منصور، وأدى إلى فصله ثلاث سنوات وطرده من الجامعة.
تقارير المثقفين، ضد بعضهم البعض، لم تفرق بين المنتمين لليسار أو اليمين، وقد طالت نقادا كبارا مثل رجاء النقاش الذي اعتبره النظام الناصري خارجا عليه مع الناقد الدكتور لطفي عبد البديع. الاغرب من ذلك، حسب ما يقول سليمان فياض، أن عبد الناصر والسادات استفادا جديا من التقارير. وكان عبد الناصر يطلب ملفات الكتاب قبل لقائهم، ولعل هذا من وجهة نظر فياض، ما سهل مهمة السلطة الناصرية في ضرب رموز الثقافة المصرية التي افرزتها المرحلة الليبرالية ايام الملكية، بعدما قسمتهم الى جبهتين واحدة معها والاخرى ضدها بالاضافة الى تجنيدها المثقفين لخدمة اغراضها وسياساتها، وبالتالي جعلت منهم كتاب تقارير ضد بعضهم البعض.
خلافات مع السلطة وأخرى شخصية
لم يكن سبب التنكيل بالكتاب والمفكرين المصريين متوقفا عند حدود اختلافهم مع السلطة وسياساتها في المرحلتين الناصرية والساداتية، فقد اختلط الاختلاف مع السلطة بالاختلاف مع رجالها من مفكرين ونقاد، الذين كانوا يديرون مؤسساتها ويمسكون بالقرار الثقافي، وصار المساس بهم مساسا بالدولة والنظام. وقد منع الناقد الراحل عبد القادر القط من السفر بصحبة زوجته الاجنبية، لانه انتقد عملا ادبيا ألفه رشاد رشدي المقرب من نظام السادات في السبعينات. وما حدث مع القط حدث مع لويس عوض الذي كان رشدي يتصارع معه للفوز بمنصب رئيس قسم اللغة الانجليزية. ونتيجة هذا الصراع فصل عوض من الجامعة، ومنع من السفر بعد ان اتهمه رشدي بأنه شيوعي، وهو ما أدى الي اعتقاله بعد ذلك. علما بأن لويس عوض ـ والكلام هنا لسعيد الكفراوي ـ لم تكن له علاقة بالتنظيمات الشيوعية العاملة في مصر.
ويتذكر الكفراوي ان السلطة كانت تتعقب أثر بعض الكتاب، وترسل من يقيد ما يقولونه من احاديث. فأيام ندوة نجيب محفوظ في مقهي ريش، «كنا فور انتهاء الندوة نفاجأ بمن ينادي على أديبنا الكبير نجيب محفوظ ويقول له انه لم يفهم شيئا مما قاله المشاركون، وانه لو عاد إلى رؤسائه بدون تقرير عن الندوة سوف ينال عقابا شديدا. ولان محفوظ رجل رحيم، فقد كان يقول له: اقعد يا ابني، ويملي عليه ما قاله هو وزملاؤه في الندوة». ضمن قائمة كتاب التقارير، كان ثمة كتاب من المستوى المتدني، تعاونوا مع السلطة بهدف الوصول إلى مناصب. وكان رجال السلطة يغرونهم بالعمل معهم من اجل الحصول على المكاسب التي يحلمون بها. وهذا ما كانوا يفعلونه حتى مع المعتقلين فور خروجهم. إذ يتم استدعاء الكتاب ـ حسب الكفراوي ـ والحديث معهم حول إمكانية التعاون مع السلطة وكتابة تقارير عن زملائهم. كان كل هذا يحدث بالترهيب والاعتقال مرات ومرات ثم الترغيب بامتيازات في نشر الكتب، عدا الإغراءات المالية. ولم يسلم الكفراوي الذي دخل المعتقل، بسبب قصة نشرها في مجلة «سنابل» التي كان يحررها الشاعر محمد عفيفي مطر، من المرور بهذه التجربة المرة.
سعيد الكفراوي يروي أن التعاون مع السلطة، ضمن ما أسماه «القوة الأمنية الثقافية» أدى بكثيرين إلى الموت جوعا. وهذا ما حصل لمثقف كبير، طلب التحفظ على اسمه، استغله الأمن واحتقره بعد ذلك، رغم وعود ورديه لم يتحقق منها شيء. لكن الكفراوي يشير ايضاً إلى أن عديدين من المبدعين في مصر تعاونوا مع السلطة لقناعات شخصية.
الأديب عبده جبير يشكك في وجود كتاب تقارير بين المبدعين المصريين لأن الأجهزة الأمنية لا تأمنهم، وقال: منذ العام 1965 لم اسمع ولم أشاهد إطلاقا من يكتبون التقارير، ولم يكن هناك مثقف مصري يقبل بالتجسس على زملائه. ورجّح جبير ان الكتاب كانوا يحاسبون على ما ينشرونه في الصحف والمجلات. فقد اعتقل الشاعر زين العابدين فؤاد ومحمد سيف ونجيب شهاب الدين بسبب كلام قالوه في استطلاع رأي نشرته مجلة «الطليعة» المصرية الني كان يرأس تحريرها الكاتب لطفي الخولي، وقد قام السادات بإغلاقها بعدما شعر أن الشيوعيين يسيطرون عليها.
نوال السعداوي: النساء أيضا جندتهن السلطة
وضرب جبير أمثلة لأسماء كثيرة يعتقد انهم لا يمكن أن يكونوا مرشدين لدى السلطة مثل الكاتبين «م.م.أ» و«ع.أ» والشاعر «ع.أ» وكاتب القصة «ي.أ». ونفى أن يكون هؤلاء ـ مثلما يقال عنهم ـ قد ارتموا في أحضان السلطة وكتبوا ضد زملائهم وتسببوا في اعتقالهم. وذكر جبير أن هؤلاء كانوا من رجال السلطة وجزءاً من النظام، والأجهزة الأمنية دائما ما تستخدم رجالها من أجل التغلغل وسط المثقفين، وبعضهم يدعي أنه مبدع ويظل طوال وجوده وسط المبدعين لا نرى قصيدة له أو قصة وعندما يشعر أنه أنجز مهامه أو على وشك انفضاح أمره يختفي تماما ولا نراه بعد ذلك.
ظاهرة كتابة التقارير من وجهة نظر الأديب فتحي أمبابي كانت منتشرة بشكل كبير بين كتاب الستينيات بسبب وعيهم انهم ابناء الثورة ويجب الدفاع عنها، لكن أمبابي عاد واشار الى أن بعض هؤلاء كان يعمل ضد أي شكل من أشكال الحرية ولا يهمه الإبداع أو الفكر. فقد كان يعمل ضمن منظومة استبدادية ولا يهمه سوى الوصول لوظائف عليا تخوله النفاذ الى دوائر اعلى في منظومة صنع القرار. وقد راح ضحية لهؤلاء، كثير من الكتاب. وكان هناك الكثير من المآسي التي منها أن تقارير هؤلاء كانت ترشح للوظائف الشاغرة، الاقل كفاءة، دائماً. وبذلك سيطروا على معظم المراكز والمؤسسات الثقافية في الدولة ما أدى الى تردي أوضاعها.
أما أصحاب الأفكار الانسانية الكبيرة فلم يتورطوا في السلطة وحبائلها، حسب أمبابي، وكان هذا سببا في وقوعهم في كثير من الأزمات، ومن هؤلاء الناقد ابراهيم فتحي والقاص محمد ابراهيم مبروك وعبد العظيم انيس والمفكر محمود أمين العالم، وقد دفع هؤلاء ثمنا غاليا لمواقفهم المثالية الداعية الى حفظ كرامة الانسان.
ولم تسلم النساء المعتقلات من السلطة وكتاب تقاريرها، حسب نوال السعداوي. وكانت السلطات ترسل لهن نساء يسجلن كل ما يتفوهن به، ولاحظت السعداوي أنهن غير مدربات وكان بالإمكان كشفهن بسهولة، واشارت إلى أن هذه الأجواء المخابراتية نشرت الشك بين الزميلات المعتقلات. وقد تحدثت عن ذلك في كتابها «مذكراتي في سجن النساء»، وأكدت أن هناك كتابا كبارا يحملون لدى السلطة لقب «كتاب التقارير»، وهم يوقعون بزملائهم ويساهمون في تشريدهم وإيذائهم مقابل ثمن تافه.

من حي الجمالية إلي استوكهولم

من حي الجمالية إلى استوكهولم
*نجيب محفوظ: مزقت كثيرا من كتاباتي قبل نشري أول قصة
في لقائه الأسبوعي الذي يعقد كل يوم أحد بفندق شبرد بالقاهرة توافد أحباؤه ومريدوه وأصدقاؤه لتهنئته بعيد ميلاده التسعين. بدا نجيب محفوظ في قمة نشاطه ووعيه. كان موعدنا معه هناك لأن زوجته أخبرتنا أنه لا يلتقي بأحد في منزله في شهر رمضان. سألته في البداية: أستاذ نجيب.. بعد خبرتك الطويلة في الكتابة القصصية والابداعية ماذا يمكن أن تقول للمبدعين الشباب؟ فأجاب: الثقافة والعمل والصبر. * هل كتبت كثيراً قبل أن تنشر أول قصة؟ ـ كتبت كثيرا من القصص بعضها مزقتها قبل أن أرسلها إلى أي جريدة، وربما مزق بعضها القائمون على أمر الصفحات الأدبية. استمر هذا طويلا إلى أن جاءت أشياء تستحق النشر، بعدها سارت الأمور بشكل جيد. * هل تذكر بعض الكتابات التي مزقتها؟ ـ إحدى هذه الكتابات كان كتاب "الأعوام" وقد كتبته تقليدا لكتاب "الأيام" الذي ألفه طه حسين وعبر فيه عن حياته ومعاناته إلى أن صار عميدا للأدب العربي. وعلى هذا المنوال مزقت كتابات أخرى شعرت أنها جاءت على نهج كتابات لآخرين أمثال المنفلوطي إلى أن كتبت قصة اسمها "ثمن الضعف" رأيت أنها يمكن أن تنشر وأبدأ بها حياتي مع الإبداع فأرسلتها إلى مجلة "الجديد"، وكان ذلك في عام 1934. * ماذا تقول عما يحدث الآن في فلسطين؟ هل ترى أن هناك إمكانية لتحقيق السلام؟ ـ لا بد أن يكون هناك أمل في تحقيق السلام، لأنه ليس هناك أحد يستطيع أن يحارب طول عمره إلا إذا كان مجنونا. * هل أنت مقتنع بإمكانية تحقيقه الآن أو في المستقبل المنظور؟ ـ جاء علينا وقت كنت مقتنعا تماما بأن السلام تحقق على أرض فلسطين وأن العرب هناك سوف يحصلون على حقوقهم. كنت مقتنعا بهذا مدة طويلة جدا إلى أن حدثت الانتفاضة الأخيرة. * تعتقد أن شارون يمكنه أن يوقف الحرب؟ ـ المسألة ليست حربا أو سلاما، لكن لا بد أن يكون هناك اقتناع بحقوق الناس. إذا حدث ذلك وجاء إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية شخص مقتنع بحقوق أبناء فلسطين يسود السلام. * لقد زادت الحروب الصغيرة والكبيرة في عصرنا الحالي. ما هي أسباب ذلك في رأيك؟ ـ بعد الحرب العظمى الثانية اعتقدت أنها آخر الحروب الكبيرة، لأني مقتنع انه ليس هناك دول يمكنها أن تهلك دولا، لكن بعدها شاهدت حروبا دخلتها أميركا للسيطرة على العالم، فهل تعتقد أن هناك أسبابا أخرى لديها، هي تحارب ولديها كل شيء لماذا تحارب، كان هناك أسباب كبيرة للحرب الأولى والثانية، أما حروب أميركا الحالية فلا نعرف ما الذي يدفعها لخوضها إلا ما قلته قبل ذلك.
صحيفة "الشرق الأوسط" 11/12/2001م.

الخميس، 12 فبراير 2009

حوار من صاحب نوبل نجيب محفوظ

هذا الحوار أجريته علي مدي عدة جلسات قضيتها مع الراحل العظيم نجيب محفوظ, كاتب مصر الكبير, وقد كانت الفكرة أن أتابعه في ندواته المختلفة التي كان يعقدها في القاهرة شرقا وغربا شمالا وجنوبا, وقد حاولت أن أعرف سر تجوله في أرجاء القاهرة الأربعة وعقده كل هذه الندوات, لكن لم أستطع أن أكتشف شيئا, وقد حاولت أن أعرف السر وراء تنوع واختلاف رواد ندواته ومحبيه الذين يحضرون تلك الندوات لكني لم أستطع أن أفهم ما هي وجهة نظره وراء هذا التنوع والاختلاف الذي قد يصل الي حد العداء, فبعض هؤلاء كانوا من أنصار التطبيع, ومنهم من كانوا يناصبون ألتيار الديني العداء ومنهم من كانوا يرفضون التطبيع وأنصاره, ولا أريد أن أقول كلمة أخري أقوي من رفضهم لأنصار التطبيع التزاما بأداب الكتابة, ومراعاة لحضرة كبير من كبرائنا أتحدث عنه, وهذا هو حواري معه.


أطفأ الشمعة 94 ويطالب بعاصمة جديدة وترك القاهرة للتاريخ
نجيب محفوظ: مع ظهور التيار الديني فوق السطح.
على مدى الأسابيع الماضية رافقت «الشرق الأوسط» نجيب محفوظ، وتابعت ندواته الأسبوعية، التي يعقدها في عدد من فنادق القاهرة، لتعرف منه خلاصة خبرته بعد 94 عاما، أثرى خلالها مبدعنا «الحديدي» حياتنا الثقافية، وحفر اسمه في سجلاتها، كأول روائي عربي يحصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988.
محفوظ ما يزال مهتماً بالحياة العامة، وله رأيه بتقدم الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة، خاصة أن أحد قيادي الحركة زاره مؤخراً، وهو يدعو إلى التأسيس لعاصمة جديدة وترك القاهرة كعاصمة للحارة والتاريخ، ويغضب بقوة لو قيل له انه ما عاد قادراً على الإمساك بالقلم.
الحوار مع محفوظ لم يكن أمرا سهلا لعدة اعتبارات، منها انه يرفض الحديث عن مفردات حياته الخاصة، كما انه ينفر من الكاميرا لأن «الفلاش» اصبح يرهق بصره، ثم انه وبحكم السن ضعف سمعه، واصبحت ردوده في الغالب الأعم موجزة وتلغرافية جدا، وتعكس أحيانا حالة من اللبس، حيث تتعدد أوجه تفسيراتها وما توحي به أو ترمز إليه.
طلبنا من زوجة محفوظ وألححنا أن نعيش معه يوما كاملا، بالكاميرا، نتعرف خلاله على طقوسه وعاداته، لكنها رفضت واعتذرت بلباقة شديدة، متعللة بظروفه الصحية، وأنه لا يستقبل غرباء في بيته، وتلك إحدى عاداته التي ظل يحرص عليها حتى الآن. فكل حواراته يجريها في منتدياته الأسبوعية، لكن زوجته، مع ذلك، لمحت إلى بعض عادات محفوظ اليومية قائلة: إنه يستيقظ في الثامنة صباحا ويتناول إفطارا خفيفا، عبارة عن خبز وجبن فلاحي، وبعدها يأتيه الحاج صبري السيد في العاشرة ليقرأ له الجرائد الصباحية «الأهرام» و«الأخبار» و«الوفد» و«نصف الدنيا».
نجيب محفوظ قال لي انه يقرأ «الوفد» من بين الجرائد الحزبية بسبب وفديته القديمة، وقال لي الحاج صبري انه يقرأ «نصف الدنيا» من بين المجلات المصرية، لأنها تنشر له أحلامه، أما «الأهرام» و«الأخبار» فيتابع فيهما أخبار الصفحة الأولى والمقالات، ويقرأ التحقيقات والأخبار الثقافية وبريد القراء ورسوم الكاريكاتير وصفحات الوفيات، ويسميها الأديب نجيب محفوظ «صفحة الواجب»، عندما يستوقفه خبر رحيل أحد من محبيه وأصدقائه يجد من الضروري أداء واجب العزاء برقيا.
محفوظ استعار الحاج صبري من السيد ثروت اباظة، بعد حصوله على جائزة نوبل، وكان قبل ذلك يقرأ الجرائد ليوسف السباعي، الذي اصطحبه في كل مكان ذهب إليه. سألت الأديب نجيب محفوظ عن الحاج صبري السيد، هل هو ملتزم بمواعيده؟ فأجاب:
ـ نعم، لكنه يوم الثلاثاء الماضي جاء متأخرا، فقد وصل إلى منزلي الساعة الثانية عشرة ظهرا، بسبب ارتباك المرور الذي يصاحب مرور المسؤولين من آن لآخر.
> ما انطباعك عن زيارة القيادي الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح لك في الباخرة «فرح» يوم الثلاثاء قبل الماضي؟
ـ أنا أرحب بذلك، وأنا مع أن يظهر التيار الديني فوق السطح «علشان نشوفه». الرجل تكلم بمنتهى الوضوح، وقال الإخوان ضد الحكومة الدينية. وأنا سألته عن الفن والاقباط، وقال كلاماً جيداً جدا، منه أن الأقباط متساوون تماما مع المسلمين، وتحدث عن الحرية الفكرية، ورفض مبدأ المصادرة والعنف، وقال الفكر بالفكر، وعلى كل حال سوف تكون أمامهم تجربة معارضة ممتدة 5 سنوات، وهي كفيلة بكشف كل هذا، والجماعة مقبلة على امتحان سوف يكشف كل شيء.
> هل زارك عبد المنعم أبو الفتوح بمفرده؟
ـ لا، كان معه أكثر من واحد.
> هل تعتقد أنه كان يتحدث عن قناعات شخصية خاصة به؟
ـ ربما ذلك، وربما يكون ما قاله معبرا عن تيار في الجماعة، هذا على الأقل.
> قلت في المستشفى بعد حادث الاعتداء عليك انك سامحت من قاموا بذلك؟
ـ كنت قد عملت العملية، وسألوني بعد ما قبضوا عليهم، ماذا تقول لهم، أجبت: مسامحهم، وأنا لست قاضيا.
> الدكتور ميلاد حنا تراجع عن تصريحه الذي قال فيه إنه لو حكم الإخوان مصر سوف يهاجر، وقال انه كان كلاما عفوياً، وأنه لن يهجر بلده وسوف يموت هنا ويدفن في تراب مصر، كيف ترى ذلك؟
ـ أنا فهمت موقفه الإنساني، ولم افهمه على أنه يرفض وصول الإخوان للحكم ما دام الشعب المصري سوف يأتي بهم بطريق ديمقراطي أو يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية.
> لماذا قلت للمسؤولين في «دار الشروق» إن عليهم أن يحصلوا على موافقة الأزهر لو رغبوا في طبع رواية «أولاد حارتنا»، وعرضها على الجمهور في مصر؟
ـ أنا اتفقت مع رقيب النشر أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على أن انشر «أولاد حارتنا» في الخارج على راحتي، قال لي «عايز تنشرها انشرها بره، لكن بلاش هنا علشان متزعلش الأزهر»، وهذه الاتفاقية أنا ماشي عليها وأحترمها وسوف التزم بها مدى حياتي.
> ما هي آخر تطورات قضيتك مع «مكتبة مصر»؟
ـ لا توجد عندي أخبار جديدة والجلسة 3 يناير.
> هل اتصل بك أحد من آل السحار؟
ـ لم يتصلوا بي، لكنني أعرف انهم سوف يتنازلون عن القضية أمام المحكمة في الجلسة المقبلة.
> وأنت تملي «أحلام فترة النقاهة» على الحاج صبري هل تدخل عليها تعديلات بعد ذلك؟
ـ لا، أنا لا أطلب منه أن يقرأ ما أمليته عليه مرة أخرى، النص يكون نهائيا بعدما أنتهي من إملائه.
> هل سمعت عن قضية خروج الفنان عبد البديع العربي من هيئة الرقابة، بسبب رفض قصة ليوسف السباعي، وكنت أنت وقتها تعمل فيها؟
ـ الرقابة كان فيها موظفون كثيرون وأنا لم أسمع هذا، أنا عملت رئيسا للرقابة اقل من سنة كان هذا عام 1959، وهي مؤسسة كبيرة.
> عملية الموافقة على أفلام العروض الخاصة أسهل أم أصعب من الموافقة على العروض التجارية؟
ـ أفلام العروض الخاصة كانت إجراءاتها أسهل، هذا لأنها كانت تعرض ليوم أو عدة أيام، وكانت دائما لجمهور محدود.
* اليونان تطلق اسم محفوظ على جائزة «كفافيس»
* في جلسة الأحد الماضي، زار السفير اليوناني نجيب محفوظ ومعه الفنان التشكيلي تاكي اليكسيو، وأهدياه بمناسبة عيد ميلاده لوحة رسمها اليكسيو، وأخبراه ان الدورة الحالية من مهرجان كفافيس الذي عاود نشاطه بعد انقطاع سنوات تحمل اسم نجيب محفوظ والروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكي، وبهذه المناسبة أقيم معرض به عدة لوحات للفنان اليونان رسمها لمحفوظ تعرض حاليا في قصر المانسترلي. والتقى محفوظ ايضا مستشرقة بولندية ووقع لها على «الثلاثية»، كما وقع لمترجمه ريموند سكوت على كتاب صدر حديثا عن قسم النشر بالجامعة الأميركية، ووضع له سكوت عنوان «السماء السابعة» وهي قصة موجودة في مجموعته القصصية «الحب فوق هضبة الهرم».
> ماذا حدث بعد أن تركت الرقابة؟
ـ توليت بعدها مباشرة، مسؤولية مؤسسة دعم السينما، وهي مؤسسة خدمات، ثم خرج الدكتور ثروت عكاشة من الوزارة وجاء الدكتور عبد القادر حاتم، وحدث تأميم السينما. وأنا كنت مستشارا أدبيا لمؤسسة السينما بعد تأميمها.
> ماذا كانت مهمتك؟
ـ كنا ننشئ مكتبة للسينما من جميع المؤلفات المصرية والعربية، عن فن السينما، وكان المقر في مبنى التلفزيون وكان مكتبي هناك أيضا.
> هل أنت راض عن الأفلام التي قدمت عن قصص لك؟
ـ الذين قدموا هذه الأفلام راعوا أن تكون جيدة، قدر المستطاع.
> طه حسين كان معجبا بفيلم «دعاء الكروان» بعد أن استمع إليه في عرض خاص؟
ـ طه حسين عمل روايات جيده.
> هل أنت مع إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية أم استمرارها؟
ـ إلغاؤها لا، لان الفن يعرض على الجمهور بمعناه الواسع، وهو يحتاج إلى نوع من الإرشاد والرقابة، عندما تقوم بهذا الدور لا تضر الفن أبدا، وإنما تحمي المنتج كما تحمي الفن.
> كيف تحمي الرقابة المنتج؟
ـ الرقابة لو كانت غير موجودة، المنتج سيعمل سينما على كيفه، لكن عندما تكون هناك رقابة ترشده وتبدي تحفظاتها، فهي تحميه من اعتداءات كثيرة قد يتعرض لها، وقد تؤدي إلى تعرضه لخسائر تمنعه من الاستمرار.
> بعض الناس يقولون إنك توقفت عن الكتابة بيدك وأنك أصبحت تبصم؟
ـ «كدابين». قالها بنبرة غضب وبعدها أخرج الأستاذ نجيب سيجارة من علبة «الكنت» بمعاونة أحد محبيه وأشعلها وراح يدخن بنهم حتى انتهى منها، وهذه السيجارة واحدة من اثنتين يدخنهما في اليوم: الأولى فور وصوله إلى المكان الذي يعقد فيه اللقاء، والثانية في الثامنة مساء.
> ما رأيك في المرور هذه الأيام؟ خصوصاً في نقليات العاصمة؟
ـ نحن في أشد الحاجة لعاصمة جديدة، عاصمة إدارية، والقاهرة تبقى مدينة الحارة والتاريخ.
> كيف ترى خلاصة تجربتك في رحلتك مع الأدب والحياة؟
ـ الإرادة والإيمان.
> ماذا تعني بهما.
ـ أن يكون لديك إيمان بما تكتب وإصرار على ذلك مهما كانت العقبات.
> هل ما زلت تواظب على رياضة المشي المحببة لديك؟
ـ لا.. السن له أحكام.
> هل تحن لآلة القانون التي تجيد العزف عليها؟
ـ أحيانا.. لكن أصابعي لم تعد تطاوعني.
> ما رأيك في الموسيقى؟
ـ الموسيقى غذاء الروح، ولا يوجد أدب أو فن بدون موسيقى.

الأربعاء، 11 فبراير 2009

صراعات القوي والمصالح وأليات صنع القرار في إيران

صراعات القوي والمصالح وأليات صنع القرار في إيران
حمدي عابدين
تأتي قضايا مثل العلاقات مع أميركا ودول الغرب وتطوير الاقتصاد والخصخصة وتصدير الثورة والحريات والعدل الاجتماعي على رأس اهتمامات الكاتب الإيراني حجت مرتجي في كتابه الذي اصدره حديثا المجلس الأعلى للثقافة عبر مشروعه القومي للترجمة. وهو يحلل رؤى ووجهات نظر التيارات السياسية المؤثرة في ايران حاليا. ويشير المؤلف إلى أن التوجهات السياسية والاقتصادية والثقافية لدى هذه التيارات لا تصدر عن رؤية واحدة.ونسق واحد، وهذا يتضح في أن تيار رجال الدين يؤمن في المجال السياسي بالنظام المفتوح، لكنه في مجال الاقتصاد يدافع عن نظام السيطرة التامة على الاقتصاد. أن تيار رجال الدين من اقوى التيارات الدينية في ايران الذي يؤمن في المجال السياسي بالنظام المفتوح، لكنه في مجال الاقتصاد يدافع عن نظام السيطرة التامة على الاقتصاد.وعلى جانب آخر، هناك تيار ديني يؤمن في المجال السياسي بالنظام المغلق، ولكنه في المجال الاقتصادي يرى ضرورة الأخذ بنظام السوق الحرة. وثقافياً، يرى هذا التياران الدفاع عن القيم الاسلامية في الجمهورية يأتي من مراقبة المواد الثقافية المنتجة داخل السوق الثقافية الايرانية.أما تيار "الدفاع عن القيم"، فيؤمن بالنظام المغلق على الجانب السياسي ويعارض نظام الاقتصاد الحر مدافعا عن تدخل الدولة في إدارة جهازها الاقتصادي كما يؤكد انصار التيار على ضرورة مراقبة الثقافة ورفض كل القيم الغربية الواردة من الخارج وضرورة حصارها.ويؤمن تيار "حزب الله" بالنظام المغلق في مجال السياسة والثقافة، ويدافع عن تدخل الدولة في المجال الاقتصادي، وعلى نقيضه يأتي تيار "رسالة الطالب" الذي يؤمن بالنظام الحر في السياسة، لكنه يطالب بتدخل الدولة في النظام الاقتصادي. وأما مواقفه الثقافية فتتراوح بين التشدد والانفتاح حيث يحارب "رسالة الطالب" الغزو الثقافي، ويرى ضرورة منع الثقافة الغربية من التسلل إلى الجمهورية الايرانية. ويطالب تيار رسالة الطالب السلطات الحكومية والطبقات الشعبية بالعمل على اجتثاث الثقافة الغربية والقضاء علي منافذها، لدرجة إنه كان يعارض الاستفادة من القمر الصناعي، ويحذر من مضاره، الا انه عاد واشار إلى أن امتلاك الاطباق حرية شخصية ولا ينبغي للدولة أن تتدخل في حياة الافراد إلى هذا الحد.والامر نفسه يمكننا ملاحظته في قضية حجاب المرأة الايرانية حيث يعترض تيار رسالة الطالب على رأي رئيس الجمهورية هاشمي رفسنجاني في مسألة عدم ارتداء الحجاب، الذي ذكره في حوار له مع "سي إن إن"، لكنه يعود ويغير وجهة نظره وموقفه من الحجاب، اذ يقول طبرزدي، رائد هذا التيار في احد اللقاءات، إن التشدد المبالغ فيه مع السيدات في مسألة الحجاب ليس صوابا، وينبغي أن يكون دور الدولة ارشاديا فقط. ويعترض تيار رسالة الطالب على سيطرة الدولة على المنتجات الثقافية قبل نشرها، ويؤكد طبرزدي ضرورة الاشراف عليها بعد النشر، مشيرا إلى أن الخسارة في فتح المجال الثقافي اقل من الخسائر المترتبة على سياسة اغلاقه والتشدد في مراقبته، والتي يمكن الاستعاضة عنها بضرورة وجود دور للدولة من خلال برامج التوعية والإرشاد من دون اللجوء إلى سياسات الفرض والتشدد.} مواقف "حزب الله" } وعلى نقيض تيار رسالة الطالب، تأتي مواقف "حزب الله" الثقافية المعارضة للانفتاح الثقافي، والمطالبة بضرورة السيطرة الدقيقة على المنتجات الثقافية، وعدم الاعتماد على الناشرين في مراقبة مضمون الكتب والمطبوعات التي يصدرونها. ويعارض "حزب الله" التنوع الثقافي ويعتبره احد المجالات المساعدة على الغزو الثقافي. وهذا الرأي هو، حسب الكاتب، نتيجة ايمان الحزب بنظرية المؤامرة ومعارضته أي نوع من التبادل الثقافي حيث يرى ضرورة سد الثغرات التي تتسلل منها الثقافة الغربية. وهو يعارض حتى ترجمة المقالات والموضوعات التي تنتشر في صحف ومجلات الغرب، وهذا ما يتجلى واضحا في ما تنشره صحيفته "يا لثارات الحسين" والتي ترى أن الترجمة تعتبر من ابرز مجالات الغزو الثقافي.أما من ناحية الحجاب، فيرى "حزب الله" أن المرأة الإيرانية لا يناسبها الا الحجاب الأسمر، ويطالب بفصل النساء عن الرجال في المحافل العامة، وينتقد اللوحات والتماثيل التي تصور النساء في حالة استرخاء في متاحف الفنون المعاصرة في طهران. ويوصي الحزب بضرورة تدريس مثل هذه الأشياء والموضوعات ضمن مقررات التعليم المختلفة.أما تيار العمال، فهو مخالف في توجهاته الثقافية لـ"حزب الله"، فهو يرى فوائد في فتح المجال الثقافي، ويؤكد أيضاً ضرورة التبادل الثقافي، ويوصي بالمراقبة على الأعمال الثقافية بعد نشرها. وهو ضد مراقبة الدولة للإنتاج السينمائي، والكتب والصحف قبل طبعها، معتبراً أن ذلك يعيق سبيل الإبداع. بدلاً من ذلك، هو يوصي بالتوجيه والتخطيط لأنهما اجدى من التشدد والمراقبة. ويطالب انصار تيار العمال بتهيئة الأجواء لزيادة الإنتاج الثقافي وتنوعه ودفع عمليات التبادل الثقافي للأمام ونشر المبادئ الثقافية الجديدة وان كانت في ظل المساجد وتحت سيطرة العلماء.بالمقابل، يرفض تيار آخر قوي هو تيار الزعامة الدينية التبادل الثقافي بسبب نظرته الضيقة للدين، ويعتبره خطرا على الثقافة الدينية. من هنا يطالب بضرورة السيطرة على الأنشطة الثقافية من قبل الدولة، معتقدا أن هذه السياسة "سوف تجعل المجتمع الإيراني مجتمعا اخلاقيا". كما يدافع هذا التيار عن سياسة الإشراف على الأفكار الثقافية قبل نشرها، وضرورة حصر وسائل الأقمار الصناعية لأنها تشكل منفذا للأنشطة التخريبية باعتبارها إحدى ادوات العدو الغربي في الغزو الثقافي ويدعو التيار إلى إسناد الأنشطة الثقافية إلى رجال الدين على اعتبار انهم القادرون على رعايتها ومراقبتها.ويذكر المؤلف أن تيار رجال الدين يطالب بالإشراف على الثقافة بعد نشرها وان يكون لدى الدولة قاعدة متميزة للكاتب تكون نموذجا لما تفرزه الثقافة ويشير إلى انه بناء على ذلك ينبغي أن يكون الناشرون والمبدعون خدما للثقافة. وهم يعتبرون أن سياسة الثواب والعقاب هي افضل طريقة لمن يعمل في هذا المجال، وان نظام قانون الصحف تجربة مفيدة يمكن تعميمها في المجالات الثقافية.} غزو ثقافي } يرى انصار تيار رجال الدين أن هناك غزوا ثقافيا يواجه المجتمع الايراني، وان القضاء عليه ينبغي أن يتم بايجاد نوع من التوازن في الإنتاج الثقافي، وتوجيه برامج التعليم وأجهزة الثقافة التابعة للسلطة والمجتمع، وتقليل نسبة البطالة. ويتضح من هذا أن تيار رجال الدين يرى أن المعوقات الثقافية لها جذور داخلية كامنة، وان مواجهة الغزو الثقافي يحتاج إلى بحث في هذه المعوقات الناجمة عن الداخل اكثر من البحث عنها في ملابسات خارجية كالتآمر الخارجي مثلا. ويرى انصار تيار رجال الدين أن اصلاح الأمور الثقافية في ايران يبدأ من اصلاح الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ورغم أن هذا التيار يخشى الغزو الثقافي ويقترح السياسات والخطط لمواجهته إلا انه يهتم بالتبادل الفكري والثقافي.من هنا يمكن القول، حسب رأي حجت مرتجي، إلى أن تيار رجال الدين لديه استراتيجية ثقافية اساسها تأصيل الثقافة الذاتية والموضوعية ومؤازرة التبادل الثقافي والاستفادة من الأساليب الحديثة في نشر الثقافة والحفاظ على الهوية، بالإضافة إلى الاحتراس الشديد من الطبقية والجمود ومحاربة مظاهرهما وتقنين العلاقات الثقافية.لكن تيار "الدفاع عن القيم" يضع المسائل الثقافية في مرتبة اولى قبل القضايا السياسية والاقتصادية. ويرى انصاره أن التطور الثقافي الكامل هو الهدف الأساسي للثورة الإسلامية وان القيام بأي نوع من التغيير في البناءات السياسية والإصلاح الاقتصادي لا بد أن يكون نابعا من هذا الفعل الثقافي المتطور في الرؤى وإصلاح المسارات والأساليب المتبعة. ويرفض هذا التيار التبادل الثقافي مع الغرب، ويرى أن تجاهل مواجهته يمثل أحد العناصر التي تضر بالهوية، ويوصى انصار تيار الدفاع برعاية مبادئ وقيم الثورة في مواجهة تيارات الغزو الثقافي المسمومة ونشر الوعي الثقافي وتوضيح القضايا الاساسية التي ينشغل بها المجتمع الإيراني، كما يدعو انصاره إلى ضرورة إشراف رجال الدين على الثقافة.ويتناول المؤلف، عبر فصول عديدة، رؤية كل تيار لقضية اختيار الولي الفقيه ودور الشعب في ذلك، فيشير إلى تيارات الزعامة الدينية و"حزب الله" والدفاع عن القيم يرون أن الشعب لا دور له في اختيار الولي الفقيه بينما يرى تيار رجال الدين والعمال ورسالة الطالب أن الشعب هو الذي يختار الولي الفقيه. وبناء على ذلك، تؤمن التيارات الثلاثة الاولى، أن الولي الفقيه غير مسؤول أمام الشعب.أما تيار العمال ورسالة الطالب ورجال الدين فيقررون مسؤولية الفقيه أمام من اختاروه. ولعل موقف كل تيار من الولي الفقيه ينبع من نظرته إليه، حيث تتوافق تيارات الزعامة الدينية وتيار الدفاع عن القيم و"حزب الله" على تقديسه، فيما تعارض تيارات رسالة الطالب ورجال الدين والعمال ذلك.أما عن نظرة كل من هذه التيارات للحرية فيذكر المؤلف أن تياري حزب الله والزعامة الدينية يعتبرانها امتيازاً تمنحه الحكومة للشعب، أما تيارات رجال الدين والعمال والدفاع عن القيم ورسالة الطالب فيرون أن الحرية حق إلهي وطبيعي للشعب غير مسموح للحكومات المساس به. ويقرر المؤلف أن هناك تيارات في الشارع الإيراني تدافع عن إبلاغ الثورة وتصديرها إلى الدول الإسلامية المجاورة ويرون أن ذلك سوف يكون أحد عوامل الحفاظ على القيم الإسلامية الثورية ومساندتها في حربها مع أعداء الثورة في الخارج والداخل. وهناك تياران فقط يعارضان ذلك هما تيارا رسالة الطالب والعمال، أما باقي التيارات فترى أن على ايران أن تصدر النموذج الثوري بها إلى الخارج.أما بالنسبة للعلاقات الخارجية الإيرانية وبالتحديد مع أميركا فتعارض تيارات الزعامة الدينية ورجال الدين و"حزب الله" والدفاع عن القيم، أي علاقات سياسية مع أميركا، ويرون أنها العدو الأول للثورة الإيرانية ولا يوجد استثناء لهذا الرأي إلا عند تيار رسالة الطالب وتيار العمال

الثلاثاء، 3 فبراير 2009