الجمعة، 27 فبراير 2009

حوار مع السفير البريطاني السابق في القاهرة ديريك بلاملي

السفير البريطاني وزوجته المصرية الليدي بلاملي لـ«الشرق الأوسط»:
23 عاما من الزواج والتكامل بين حضارتين
ديريك بلاملي: أنا مصري أكثر من المصريين أنفسهم

* الليدي بلاملي: أعشق صخب القاهرة وأمل من رتابة الريف الانجليزي
حمدي عابدين
* ما بين اليوم الذي طلبت فيه من المسؤولة الاعلامية بالسفارة الانجليزية تحديد موعد لاجراء حوار مع السفير البريطاني الذي تسلم مهام عمله في أواخر سبتمبر (ايلول) الماضي واليوم الذي التقيته وزوجته الليدي بلاملي مرت فترة كافية لأنسج صورة لزوجين ارتبطا وتزوجا في القاهرة منذ أكثر من 22 عاما، كان بلاملي وقتها يعمل سكرتيرا أول بالسفارة البريطانية بالقاهرة وكانت نادية يوسف جوهر التي صارت في عام 2001 الليدي بلاملي بعد منح زوجها لقب سير من الملكة اليزابيث الثانية تدرس الأدب في الجامعة الاميركية بالقاهرة.
بدماثة ومرح فتح السفير البريطاني قلبه لـ«الشرق الأوسط» هو وزوجته الليدي بلاملي وحكيا الكثير من القصص التي صاحبت زواجهما، وكيفية ادارتهما حياتهما الزوجية، وكيف تغلبا على الخلافات بين الثقافة البريطانية والثقافة المصرية، ورؤيتهما لكيفية تربية أولادهما، وكثيرا من الموضوعات الأخرى التي تخص حياتهما كزوجين صارا يسكنان الآن في قلب السفارة البريطانية.
* قالت الليدي بلاملي: لا أعتقد ان هناك اختلافا كبيرا في الثقافات يمكن أن يكون مؤثرا في مواجهة مسألة الزواج والتعايش الأسري لأن الناس بطبيعة الحال مشاعرها الانسانية واحدة والقيم المرتبطة بها واحدة، من هنا أرى ان الفروق الموجودة بين الثقافات تصبح بلا تأثير على المستوى الأسري والعائلي، ونحن في حياتنا الزوجية نعيش مثل أي أسرة مصرية أو أوروبية، ونربي أولادنا ونعيش حياة عادية.
الناس تتخيل أن هناك فروقا في مبادئ معينة أو ثقافات معينة، لكن كل هذا لا أثر له عندما نتحدث على المستوى العائلي، وقد كنا نتحدث أنا وديريك في هذه المسألة منذ أيام، ونحن في زواجنا نعيش مثل أي أسرة تنتمي الى بلد معين ومتآلفة مع حضارة وثقافة واحدة حيث لا يوجد خلاف حول قيم الحياة العادية وتربية الأولاد.
وأنا لا أريد أن أخفي وجود فروق بين الثقافة المصرية والثقافة البريطانية لكنها بسيطة وتظهر على السطح لكنك عندما تتعمق في الحياة في بريطانيا تكتشف أن هذه الفروق غير مؤثرة وسطحية وقد حدث معي ان واجهت مثل هذه الفروق السطحية عندما سافرت عام 1980 لأول مرة الى بريطانيا وقد جعلتني أشعر بنوع من عدم التآلف سببه هذا التغيير والنقلة التي حدثت في حياتي وانتقالي للعيش من القاهرة الى لندن، هذا لم يستمر طويلا بعد ان اتضح لي ان هذه الاختلافات مجرد قشور يمكن تجاوزها.
* وماذا عن ديريك؟
ـ هو عاش في القاهرة قبل أن ننتقل الى لندن وحياته فيها على امتداد 3 سنوات والتي بدأت منذ 1977 وحتى 1980 جعلته يقترب جدا من الثقافة والحضارة المصرية وتعايش مع طريقة وحياة المصريين وقد تعرف على عاداتنا وتقاليدنا، وقد حدث معي نفس الشيء عندما سافرت الى بريطانيا حيث استوجب تعايشي وتكيفي مع المجتمع هناك بعض الوقت، وقد اكتشفت ان الاختلافات بين المجتمعين بسيطة ولا تشكل عائقا في سبيل التفاهم والتعايش بين الانجليز والمصريين.
وتدخل ديريك قائلا: كانت لدي فكرة جيدة عن المجتمع المصري وقد تعلمت اللغة العربية وأمضيت فترة في القاهرة قبل الزواج، كان ذلك في الفترة من 1977 وحتى عام 1980 وقد تزوجنا قبل ذلك بعام، وقد حدث نفس الشيء مع نادية ربما ساعدها على التفاهم والتعايش مع الثقافة البريطانية وقد ساعدها على ذلك وجودها في الجامعة الاميركية بالقاهرة حيث كانت تدرس الأدب وقد وفر لها هذا خبرة جيدة بالآخر ووفر لها مساحة جيدة من التعامل والتعايش مع الآخر.
وقد كان الأمر على الجانب الآخر صعبا على عائلتها في مصر لكن مثلما تقول نادية عندما يكتشف الناس بعضهم يصبح التعايش على المستوى الأسري سهلا وبلا أي خلافات جوهرية، يقف وراء ذلك أن الأفكار والطموحات لا تختلف أبدا بين المصري والانجليزي وقد تعرفت على عائلة نادية وجاءت عائلتي الى مصر من أجل اتمام الزواج، وقد جاءوا بعد ذلك وزارونا كثيرا في بريطانيا وقد توافق والد نادية الكاتب الكبير د.يوسف جوهر كثيرا مع الريف عندما زارنا في قريتنا الانجليزية وتآلف بسرعة مع أبي بعكس نادية التي تحب زيارة الريف في الاجازات ولا تقوى على الحياة هناك، وقد جعلنا التفاهم والتعايش الذي حدث بين العائلتين أسرة واحدة.
وعن الظروف التي صاحبت اتمام الزواج بين الليدي بلاملي والسفير البريطاني ديريك بلاملي قالت: الوقت الذي تزوجنا فيه ربما كان غير مألوف وقليلا نوعا، وقد كان هناك نوع من الحذر لدى والدي يوسف جوهر، وقد كان لايتحدث مع ديريك عندما يزورنا في المنزل وقد كان هذا ناتجا عن كونه صعيديا، لكنه مع ذلك لم يكن يحب التدخل في شؤوننا، وكان يتركنا نختار ما نريد وقد حدث بالفعل عندما تدخلت وأخبرت أسرتي ان ديريك جاد في مسألة الزواج اذا وافق أبي لأنه كان رومانسيا، وقد قال لي ان هذا قرار كبير ولابد أن تستوثقي من شعورك وتتأكدي ان الحب هو الذي يربط بينكما، وقد كان هذا الرد من أبي مدهشا جدا وقد شجعني في آخر لحظة أكثر من أمي التي نصحتني بالتفكير والتروي وقالت لي ان الشباب متحمس بطبيعته ولابد من التفكير بالعقل في مثل هذه الأمور.
* وماذا عن دراستك في الجامعة الاميركية؟
ـ في بداية الأمر كانت لدي رغبة رومانتيكية هي دراسة الطب، لكن كان واضحا جدا أنني لن أتحمل هذه الدراسة، كان أبي غير موافق على ذلك لمعرفته بطبيعتي لكنه عندما اتخذت قراري بدراسة الطب لم يرفض، لكني لم استمر طويلا فيها حيث اتجهت الى دراسة الأدب بعدها اتجهت الى الدراسة الأكاديمية وكان أبي يشجعني عليها ربما بسبب شعوره ان الأدب ملائم أكثر لي وأنا أحبه فعلا.
* وماذا عن ديريك وعلاقته بالقاهرة وهل يأخذكم لزيارات ما؟
ـ قبل زواجنا وبعده كان ديريك هو الذي يساعدني في معرفة القاهرة واكتشافها، وقد جعلني أثناء فترة الخطوبة اكتشف الكثير من مناطق وآثار القاهرة الاسلامية وأنا بطبيعتي أحب تلك المباني الأثرية القديمة وفي القلب منها الآثار الاسلامية، كنا مثل أي شاب وفتاة مصريين نتقابل في المقاهي ونجلس بجوار شاطئ النيل وقد زرنا بعد الزواج الأقصر وأسوان. نحن نعشق المناطق الأثرية المصرية وهو ما يتجلى في شغفنا بالآثار التي جعلتها الحضارة المصرية على مر العصور من خاقانات وأسبلة ومساجد وكنائس ومبان ومقابر قديمة وقد تجولنا أثناء هذه الرحلات الكثير في مناطق القاهرة مثل باب زويلة.
* ليدي بلاملي ما الذي جعل ديريك بلاملي شغوفا بالحضور في المناطق الأثرية والتعرف عليها؟
ـ هذا الحب والشغف بالمناطق الأثرية في مصر والرغبة المستمرة في قضاء أوقات كثيرة بها ربما ناتج عن معرفته بها ربما أكثر من المصريين أنفسهم وربما نابع من يقين الأجنبي بشكل عام بأن فترة وجوده على أرض مصر قصيرة ويجب عليه أن يتعرف على أكبر عدد من المناطق السياحية ويزورها، وهو يحاول بقدر طاقته أن يعرف ويكتشف بنفسه هذه الأماكن والحضارة التي تمثلها وقد مررت بنفس هذه المشاعر عندما زرت بريطانيا لأول مرة، فقد كنت متحمسة لزيارة ومشاهدة أشياء كثيرة والتعرف على الكثير من البنايات القديمة والمتاحف.
* ماذا احببتم في الصعيد؟
ـ الاقصر مدينة سياحية متكاملة ومثلها مدينة ادفو وديريك؟
ـ أنا لمست جمال مدن الاقصر وادفو وأحب اسوان والناس هناك وقد زرنا فندق كتراكت وهو رائع جدا وأنا أعتقد ان الصعيد به الكثير من المدن الجميلة وناسه أكثر هدوءا من أهل القاهرة.
* هل هناك سهولة في تكيف المصري مع الحياة في لندن؟
ـ يجوز الحياة في لندن أسهل على العربي والمصري من أي مدن أخرى أوروبية بسبب طبيعتها الكوزموبوليتانية وهي تضم كثيرا من الجاليات العربية والكثير من المؤسسات أيضا، وهذا يسهل كثيرا من حياة المصري والعربي هناك ويؤدي الى حالة من الانسجام السريع مع المدنية وهذا حدث مع نادية لكنها عندما ذهبت الى الريف لم تشعر بألفة.
* لماذا ليدي بلاملي؟
ـ تربيت في القاهرة وهي مدينة ذات طبيعة خاصة وصاخبة وأرى ان الخروج الى الريف يكون فقط في الاجازات ولقضاء فترات الراحة لكني اعتقد ان الحياة فيه تكون صعبة على أبناء المدن بسبب تعودهم على رتم الحياة السريعة وصخب المدن.
* هل يعتقد ديريك بلاملي ان العلاقة بين زوجين من ثقافتين مختلفتين صارت أسهل حاليا؟
ـ العالم يصبح يوما بعد يوم أكثر قربا من أي وقت مضى والانسان صار واحدا في كل مكان، وليس هناك على الكرة الأرضية انسان واحد لا يتعرض لنفس الضغوط التي يتعرض لها غيره، وأنا اعتقد ان الثقافات تقترب من بعضها وان الاختلافات سوف تذوب تدريجيا.
* وما رأي الليدي بلاملي؟
ـ هذا يبدو واضحا حاليا في مصر فقد زادت كثيرا حالات الزواج من أجانب، ولم تعد هناك فروق شاسعة تمنع التفاهم والتلاقي بين المصريين وغيرهم من أبناء الغرب.
* وهل لمست هذا ديريك؟
ـ كنا محظوظين. عشنا في مدن كثيرة بعد الزواج وتعرفنا على خليط من الأجناس أثناء وجودنا في واشنطن ونيويورك والرياض والأخيرة مدينة كبيرة بها أجانب كثيرون وقد كان من السهل أن نلمح التفاهم الواضح والسهل بين أبناء الثقافات والبلاد المختلفة التي تعيش هناك.
* الكاتب يوسف جوهر الذي تظهر مقاومة الاحتلال الانجليزي لمصر واحدة من موضوعات قصصه القصيرة الأساسية، ماهي نوعية الأحاديث التي كان يديرها مع ديريك بلاملي زوجك؟
ـ بعد أن تعرف أبي بديريك حكى له جولاته النضالية التي كان يخوضها في مواجهة قوات الاحتلال ومشاركاته في التظاهرات التي كان يقوم بها الطلبة ضد الانجليز، وكان هو يشارك معهم حين كان طالبا في كلية الحقوق، ورغم كل هذا التاريخ في النضال الذي يحمله أبي ضد الانجليز إلا انه عاد ووضع يده في يد ديريك من أجل اتمام الزواج وهو ما يعني ان الانسان قادر على تجاوز الاحداث والتطلع دائما للمستقبل وهو كان قادرا على ذلك.
* ماذا كان رد فعل أقربائك في مصر عندما عرفوا انكم قادمون الى القاهرة؟
ـ كان استقبالهم لنا أكثر من رائع وأنا فخورة به وممنونة أيضا، وقد اتصل بي الكثيرون من أصدقاء أبي وأبناء جيله وعبروا عن فرحتهم بوجودنا في القاهرة، وعندما وصلنا الى هناك بدأنا في ممارسة حياتنا والجلوس في الأماكن التي كان يتحرك فيها اللورد كيسلر وكرومر.
* ماذا عن أبناء ديريك والليدي بلاملي، وعلاقتهم بمصر؟
ـ أولادنا ثلاثة سامويل وجوزيف وسارة، وقد تربوا على سماع العربي وفهمه، وهم يأتون بزيارات دائمة للقاهرة حيث ما زال لنادية أخ وأخت يعيشان في القاهرة، ونحن حريصان على ذلك حتى نعطي لأولادنا تجربة مصرية.
* كيف يمكن ان يستفيد السفير ديريك بلاملي من نصفه المصري في ادارة العلاقات المصرية الانجليزية من القاهرة؟
ـ أنا أشعر ان هناك أشياء مهمة سوف نقوم بها لصالح العلاقات المصرية الانجليزية انطلاقا من خبرتي ومعرفتي بمصر والمصريين وسوف أعمل على تنشيط العلاقات الاقتصادية بين مصر وانجلترا على مستوى المشاريع الاقتصادية المشتركة وجذب الاستثمارات الى مصر بالاضافة الى تبادل الخبرات في التعليم والتدريب وهو ما يمكن ان يقوم به المجلس الثقافي البريطاني في القاهرة.
وقد فرحت كثيرا بقرار تعييني سفيرا لحكومتي في القاهرة وهذه فرصة وأنا مدرك وأفهم مشاعر الناس وسوف أنقلها الى الحكومة البريطانية في لندن وسوف أشرح بسهولة أكثر وأوضح المواقف البريطانية، وأنا ونادية أعتقد قادران على فهم مشاعر الناس وسوف يساعدني هذا على توصيلها بشكل جيد الى الحكومة الانجليزية، كما سوف أشرح بنفس السهولة أسباب المواقف الانجليزية.
* وماذا عن تصورك لما وصلت إليه العلاقات المصرية البريطانية؟
ـ اعتقد انها في أحسن ما يكون، فقد زادت الصادرات المصرية الى بريطانيا مرتين في الاربع سنوات الماضية، كما ان الاستثمارات البريطانية في مصر أكبر من أي دولة أخرى، واعتقد ان هذا أساس قوي للعلاقات بين البلدين، وأعتقد ان العلاقات الاقتصادية بين مصر وانجلترا يمكن أن تكون أساسا قويا لتمتين العلاقات على المستوى الشعبي.
* أولادكما في لندن وانتما هنا في القاهرة كيف تديران علاقتكما بهم؟
ـ الليدي بلاملي: هناك قوانين، وهناك فرق بين الأسر وبعضها في التربية.
ـ ديريك بلاملي: نادية تقول ممنوع الخروج بعد الساعة العاشرة.
ـ الليدي بلاملي: هم يعرفون جيدا أننا نخاف عليهم، وهم يحترمون ذلك، واذا تأخروا عن الوقت المسموح به يتصلون ويقولون سبب ذلك، ويعرفوننا بموعد رجوعهم. ونحن كأهل وضعنا شروطا لتربيتهم وهم ملتزمون بها، وهذه من الاشياء التي اقتربنا أنا وديريك فيها كثيرا، وأعتقد انه شيء جيد لاقامة علاقة أسرية جيدة بين الأسر التي ينتمي طرفاها الى ثقافتين مختلفين.
* هل كانت لكما وجهتا نظر مختلفتان في مسألة مشاركة بريطانيا في الحرب ضد العراق انطلاقا من كون الليدي بلاملي مصرية وديريك انجليزيا؟
ـ بريطانيا دولة ديمقراطية وهناك مظاهرات كثيرة كانت تسمح بها الحكومة البريطانية ترفض الحرب، ونحن في البيت كنا نتحدث عن ذلك كثيرا وديريك نفسه ساهم في مشروعات كثيرة خاصة بالعراق.
* ما هي؟
ـ عندما كنت وكيل وزارة في لندن كنت مسؤولا عن صياغة القرار 1284، كما كنت من كتاب قرار النفط مقابل الغذاء في محاولة لمساعدة الشعب العراقي، وتعرفت من خلال ذلك على الموقف العراقي المتردي أيام حكم صدام.

ليست هناك تعليقات: