هذا الحوار أجريته علي مدي عدة جلسات قضيتها مع الراحل العظيم نجيب محفوظ, كاتب مصر الكبير, وقد كانت الفكرة أن أتابعه في ندواته المختلفة التي كان يعقدها في القاهرة شرقا وغربا شمالا وجنوبا, وقد حاولت أن أعرف سر تجوله في أرجاء القاهرة الأربعة وعقده كل هذه الندوات, لكن لم أستطع أن أكتشف شيئا, وقد حاولت أن أعرف السر وراء تنوع واختلاف رواد ندواته ومحبيه الذين يحضرون تلك الندوات لكني لم أستطع أن أفهم ما هي وجهة نظره وراء هذا التنوع والاختلاف الذي قد يصل الي حد العداء, فبعض هؤلاء كانوا من أنصار التطبيع, ومنهم من كانوا يناصبون ألتيار الديني العداء ومنهم من كانوا يرفضون التطبيع وأنصاره, ولا أريد أن أقول كلمة أخري أقوي من رفضهم لأنصار التطبيع التزاما بأداب الكتابة, ومراعاة لحضرة كبير من كبرائنا أتحدث عنه, وهذا هو حواري معه.
أطفأ الشمعة 94 ويطالب بعاصمة جديدة وترك القاهرة للتاريخ
نجيب محفوظ: مع ظهور التيار الديني فوق السطح.
على مدى الأسابيع الماضية رافقت «الشرق الأوسط» نجيب محفوظ، وتابعت ندواته الأسبوعية، التي يعقدها في عدد من فنادق القاهرة، لتعرف منه خلاصة خبرته بعد 94 عاما، أثرى خلالها مبدعنا «الحديدي» حياتنا الثقافية، وحفر اسمه في سجلاتها، كأول روائي عربي يحصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1988.
محفوظ ما يزال مهتماً بالحياة العامة، وله رأيه بتقدم الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة، خاصة أن أحد قيادي الحركة زاره مؤخراً، وهو يدعو إلى التأسيس لعاصمة جديدة وترك القاهرة كعاصمة للحارة والتاريخ، ويغضب بقوة لو قيل له انه ما عاد قادراً على الإمساك بالقلم.
الحوار مع محفوظ لم يكن أمرا سهلا لعدة اعتبارات، منها انه يرفض الحديث عن مفردات حياته الخاصة، كما انه ينفر من الكاميرا لأن «الفلاش» اصبح يرهق بصره، ثم انه وبحكم السن ضعف سمعه، واصبحت ردوده في الغالب الأعم موجزة وتلغرافية جدا، وتعكس أحيانا حالة من اللبس، حيث تتعدد أوجه تفسيراتها وما توحي به أو ترمز إليه.
طلبنا من زوجة محفوظ وألححنا أن نعيش معه يوما كاملا، بالكاميرا، نتعرف خلاله على طقوسه وعاداته، لكنها رفضت واعتذرت بلباقة شديدة، متعللة بظروفه الصحية، وأنه لا يستقبل غرباء في بيته، وتلك إحدى عاداته التي ظل يحرص عليها حتى الآن. فكل حواراته يجريها في منتدياته الأسبوعية، لكن زوجته، مع ذلك، لمحت إلى بعض عادات محفوظ اليومية قائلة: إنه يستيقظ في الثامنة صباحا ويتناول إفطارا خفيفا، عبارة عن خبز وجبن فلاحي، وبعدها يأتيه الحاج صبري السيد في العاشرة ليقرأ له الجرائد الصباحية «الأهرام» و«الأخبار» و«الوفد» و«نصف الدنيا».
نجيب محفوظ قال لي انه يقرأ «الوفد» من بين الجرائد الحزبية بسبب وفديته القديمة، وقال لي الحاج صبري انه يقرأ «نصف الدنيا» من بين المجلات المصرية، لأنها تنشر له أحلامه، أما «الأهرام» و«الأخبار» فيتابع فيهما أخبار الصفحة الأولى والمقالات، ويقرأ التحقيقات والأخبار الثقافية وبريد القراء ورسوم الكاريكاتير وصفحات الوفيات، ويسميها الأديب نجيب محفوظ «صفحة الواجب»، عندما يستوقفه خبر رحيل أحد من محبيه وأصدقائه يجد من الضروري أداء واجب العزاء برقيا.
محفوظ استعار الحاج صبري من السيد ثروت اباظة، بعد حصوله على جائزة نوبل، وكان قبل ذلك يقرأ الجرائد ليوسف السباعي، الذي اصطحبه في كل مكان ذهب إليه. سألت الأديب نجيب محفوظ عن الحاج صبري السيد، هل هو ملتزم بمواعيده؟ فأجاب:
ـ نعم، لكنه يوم الثلاثاء الماضي جاء متأخرا، فقد وصل إلى منزلي الساعة الثانية عشرة ظهرا، بسبب ارتباك المرور الذي يصاحب مرور المسؤولين من آن لآخر.
> ما انطباعك عن زيارة القيادي الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح لك في الباخرة «فرح» يوم الثلاثاء قبل الماضي؟
ـ أنا أرحب بذلك، وأنا مع أن يظهر التيار الديني فوق السطح «علشان نشوفه». الرجل تكلم بمنتهى الوضوح، وقال الإخوان ضد الحكومة الدينية. وأنا سألته عن الفن والاقباط، وقال كلاماً جيداً جدا، منه أن الأقباط متساوون تماما مع المسلمين، وتحدث عن الحرية الفكرية، ورفض مبدأ المصادرة والعنف، وقال الفكر بالفكر، وعلى كل حال سوف تكون أمامهم تجربة معارضة ممتدة 5 سنوات، وهي كفيلة بكشف كل هذا، والجماعة مقبلة على امتحان سوف يكشف كل شيء.
> هل زارك عبد المنعم أبو الفتوح بمفرده؟
ـ لا، كان معه أكثر من واحد.
> هل تعتقد أنه كان يتحدث عن قناعات شخصية خاصة به؟
ـ ربما ذلك، وربما يكون ما قاله معبرا عن تيار في الجماعة، هذا على الأقل.
> قلت في المستشفى بعد حادث الاعتداء عليك انك سامحت من قاموا بذلك؟
ـ كنت قد عملت العملية، وسألوني بعد ما قبضوا عليهم، ماذا تقول لهم، أجبت: مسامحهم، وأنا لست قاضيا.
> الدكتور ميلاد حنا تراجع عن تصريحه الذي قال فيه إنه لو حكم الإخوان مصر سوف يهاجر، وقال انه كان كلاما عفوياً، وأنه لن يهجر بلده وسوف يموت هنا ويدفن في تراب مصر، كيف ترى ذلك؟
ـ أنا فهمت موقفه الإنساني، ولم افهمه على أنه يرفض وصول الإخوان للحكم ما دام الشعب المصري سوف يأتي بهم بطريق ديمقراطي أو يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية.
> لماذا قلت للمسؤولين في «دار الشروق» إن عليهم أن يحصلوا على موافقة الأزهر لو رغبوا في طبع رواية «أولاد حارتنا»، وعرضها على الجمهور في مصر؟
ـ أنا اتفقت مع رقيب النشر أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على أن انشر «أولاد حارتنا» في الخارج على راحتي، قال لي «عايز تنشرها انشرها بره، لكن بلاش هنا علشان متزعلش الأزهر»، وهذه الاتفاقية أنا ماشي عليها وأحترمها وسوف التزم بها مدى حياتي.
> ما هي آخر تطورات قضيتك مع «مكتبة مصر»؟
ـ لا توجد عندي أخبار جديدة والجلسة 3 يناير.
> هل اتصل بك أحد من آل السحار؟
ـ لم يتصلوا بي، لكنني أعرف انهم سوف يتنازلون عن القضية أمام المحكمة في الجلسة المقبلة.
> وأنت تملي «أحلام فترة النقاهة» على الحاج صبري هل تدخل عليها تعديلات بعد ذلك؟
ـ لا، أنا لا أطلب منه أن يقرأ ما أمليته عليه مرة أخرى، النص يكون نهائيا بعدما أنتهي من إملائه.
> هل سمعت عن قضية خروج الفنان عبد البديع العربي من هيئة الرقابة، بسبب رفض قصة ليوسف السباعي، وكنت أنت وقتها تعمل فيها؟
ـ الرقابة كان فيها موظفون كثيرون وأنا لم أسمع هذا، أنا عملت رئيسا للرقابة اقل من سنة كان هذا عام 1959، وهي مؤسسة كبيرة.
> عملية الموافقة على أفلام العروض الخاصة أسهل أم أصعب من الموافقة على العروض التجارية؟
ـ أفلام العروض الخاصة كانت إجراءاتها أسهل، هذا لأنها كانت تعرض ليوم أو عدة أيام، وكانت دائما لجمهور محدود.
* اليونان تطلق اسم محفوظ على جائزة «كفافيس»
* في جلسة الأحد الماضي، زار السفير اليوناني نجيب محفوظ ومعه الفنان التشكيلي تاكي اليكسيو، وأهدياه بمناسبة عيد ميلاده لوحة رسمها اليكسيو، وأخبراه ان الدورة الحالية من مهرجان كفافيس الذي عاود نشاطه بعد انقطاع سنوات تحمل اسم نجيب محفوظ والروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكي، وبهذه المناسبة أقيم معرض به عدة لوحات للفنان اليونان رسمها لمحفوظ تعرض حاليا في قصر المانسترلي. والتقى محفوظ ايضا مستشرقة بولندية ووقع لها على «الثلاثية»، كما وقع لمترجمه ريموند سكوت على كتاب صدر حديثا عن قسم النشر بالجامعة الأميركية، ووضع له سكوت عنوان «السماء السابعة» وهي قصة موجودة في مجموعته القصصية «الحب فوق هضبة الهرم».
> ماذا حدث بعد أن تركت الرقابة؟
ـ توليت بعدها مباشرة، مسؤولية مؤسسة دعم السينما، وهي مؤسسة خدمات، ثم خرج الدكتور ثروت عكاشة من الوزارة وجاء الدكتور عبد القادر حاتم، وحدث تأميم السينما. وأنا كنت مستشارا أدبيا لمؤسسة السينما بعد تأميمها.
> ماذا كانت مهمتك؟
ـ كنا ننشئ مكتبة للسينما من جميع المؤلفات المصرية والعربية، عن فن السينما، وكان المقر في مبنى التلفزيون وكان مكتبي هناك أيضا.
> هل أنت راض عن الأفلام التي قدمت عن قصص لك؟
ـ الذين قدموا هذه الأفلام راعوا أن تكون جيدة، قدر المستطاع.
> طه حسين كان معجبا بفيلم «دعاء الكروان» بعد أن استمع إليه في عرض خاص؟
ـ طه حسين عمل روايات جيده.
> هل أنت مع إلغاء الرقابة على المصنفات الفنية أم استمرارها؟
ـ إلغاؤها لا، لان الفن يعرض على الجمهور بمعناه الواسع، وهو يحتاج إلى نوع من الإرشاد والرقابة، عندما تقوم بهذا الدور لا تضر الفن أبدا، وإنما تحمي المنتج كما تحمي الفن.
> كيف تحمي الرقابة المنتج؟
ـ الرقابة لو كانت غير موجودة، المنتج سيعمل سينما على كيفه، لكن عندما تكون هناك رقابة ترشده وتبدي تحفظاتها، فهي تحميه من اعتداءات كثيرة قد يتعرض لها، وقد تؤدي إلى تعرضه لخسائر تمنعه من الاستمرار.
> بعض الناس يقولون إنك توقفت عن الكتابة بيدك وأنك أصبحت تبصم؟
ـ «كدابين». قالها بنبرة غضب وبعدها أخرج الأستاذ نجيب سيجارة من علبة «الكنت» بمعاونة أحد محبيه وأشعلها وراح يدخن بنهم حتى انتهى منها، وهذه السيجارة واحدة من اثنتين يدخنهما في اليوم: الأولى فور وصوله إلى المكان الذي يعقد فيه اللقاء، والثانية في الثامنة مساء.
> ما رأيك في المرور هذه الأيام؟ خصوصاً في نقليات العاصمة؟
ـ نحن في أشد الحاجة لعاصمة جديدة، عاصمة إدارية، والقاهرة تبقى مدينة الحارة والتاريخ.
> كيف ترى خلاصة تجربتك في رحلتك مع الأدب والحياة؟
ـ الإرادة والإيمان.
> ماذا تعني بهما.
ـ أن يكون لديك إيمان بما تكتب وإصرار على ذلك مهما كانت العقبات.
> هل ما زلت تواظب على رياضة المشي المحببة لديك؟
ـ لا.. السن له أحكام.
> هل تحن لآلة القانون التي تجيد العزف عليها؟
ـ أحيانا.. لكن أصابعي لم تعد تطاوعني.
> ما رأيك في الموسيقى؟
ـ الموسيقى غذاء الروح، ولا يوجد أدب أو فن بدون موسيقى.
الخميس، 12 فبراير 2009
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق