الأحد، 15 فبراير 2009

أم كلثوم تجدد عرش الغناء من قصر المانسترلي

أم كلثوم تجدد عرش الغناء من قصر المانسترلي على نيل القاهرة
اختارتها مجلة «صنداي تايمز» اللندنية ضمن ألف شخصية صاغوا حضارة القرن العشرين
حمدي عابدين
أم كلثوم التي قالت «نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي»، فعبرت بذلك عن حالنا بعبقرية نافذة، أم كلثوم التي رقت لنا جميعا، وسلبت عقولنا ولم نجد صوتا يعبر عن أشواقنا ولوعتنا التي شعرنا بأنها فاقت حدود طاقاتنا فلجأنا إلى صوتها نستعطف به أحباءنا تارة، وننذرهم بالفراق تارة أخرى، أم كلثوم التي اختارتها مجلة «صنداي تايمز» اللندنية ضمن ألف شخصية صاغوا حضارة القرن العشرين، أم كلثوم التي غادرتنا في فبراير (شباط) 1973، قبل انتصار أكتوبر (تشرين الأول)، فلم تر حصاد بعض ما قدمت بصوتها لنا، أم كلثوم الساحرة التي كانت تمسك في الخميس الأول من كل شهر بتلابيب قلوب العشاق في كافة أرجاء وطننا العربي الكبير عادت من جديد بأصوات نخبة من أجمل أصوات دار الأوبرا المصرية، بحناجر مطربات شابات تربين في أحضان فرقة الموسيقى العربية وفرقة كورال الأطفال التي أسسها المايسترو سليم سحاب فأهدى لنا أصواتا تعرف قدر أم كلثوم وتراثها الغنائي.
التقليد القديم الذي ابتدعته سيدة الغناء العربي، الجالسة على عرشه حتى الآن، قرر المسؤولون عن متحفها في قصر المانسترلي إعادته من جديد، وقرروا أن تكون الحفلة في قاعة كشك الموسيقى الخاص بالمانسترلي باشا، الذي أقام قصره على نيل الروضة منذ 150 عاما في مواجهة أثر آخر هو مقياس النيل يزيد من أسطورة الحفلات بعمره الضارب في القدم والذي يصل إلى 1200 عام، وهناك في هذه القاعة بهوائها الطلق يجلس 200 من خلاصة سميعة كوكب الشرق، قال عنهم المايسترو سليم سحاب انهم اختيروا بعناية من بين عشاق صوت موحدة العرب على كلمة الغناء الحق.
القاعة حرص مصمموها أن تكون بلا أي أجهزة صوت، يستمع روادها إلى أصوات حفيدات أم كلثوم، أمثال ريم كمال وعفاف رضا وغادة آدم وإيناس وأميرة، وعلى القرب من مشاعرك يشعرنك أنهن يغنين لك في بيتك حيث لا ضجيج، أنت فقط هناك تتمايل وتطرب وتبكي لأحبابك، وتتذكر جبلا من المشاعر والأحاسيس مر في بلادك منذ عام 1904، حيث ولدت أم كلثوم في قرية طماي الزهايرة وتوقف قليلا وغاب، غاب بعد أن وضع دستورا للعشق والحب والغناء في روح الناس والأرض والوطن.
ولقراءة عبقرية أم كلثوم، لا بد من متابعة تاريخ حياتها منذ أن كانت طفلة، فقد بدأت الغناء مع فرقة أبيها عندما كانت في الثالثة من عمرها، بدأت بالتواشيح، لأنها كانت موهبة كبيرة التف حولها كبار الملحنين والشعراء والكتاب والمفكرين للتعاون معها، وكانت أول بداياتها إلى قلوبنا طقطوقة «قال إيه حلف ميكلمنيش» التي قدمها لها الشاعر أحمد رامي الذي عشقها وقدم لها قلبه في كلام موزون بميزان روحه ومشاعره، كانت الطقطوقة من أولى ألحان الموسيقار محمد القصبجي لأم كلثوم بعدها غنت له 17 لحنا، لكنها فيما بعد غضبت عليه وحولته من ملحن عظيم إلى عازف في فرقتها إلى أن انفصل عنها ومات عام 1966.
وبحسب المؤرخة الموسيقية الدكتورة رتيبة الحفني فإن زوجة رامي بعد رحيله ورحيل أم كلثوم قالت لابنها أنه كان المفروض أن «يطلقوا اسم أم كلثوم ورامي على حديقة واحدة بدلا من إطلاق اسم كل منهما علىحديقة منفصلة»، وأشارت إلى أن ام كلثوم كانت تتدخل في أعمال الموسيقيين وان الموسيقار الراحل محمد الموجي اعترف بانها كانت تتدخل في ألحانه كثيرا لكنها كشفت أن الموسيقارالوحيد الذي رفض ان يلحن لها هو فريد الاطرش الذي كان لا يقبل التدخل في ألحانه.
ومن الشائعات التي أنتشرت عن أم كلثوم أنها غنت في بداياتها الفنية طقطوقة أسمها «الخلاعة والدلاعة مذهبى» من ألحان أحمد صبرى النجريدى.. إلا أنها بعد أتساع شهرتها تم سحب الطقطوقة وأعادت غناءها وغيرت اسمها الى «الخفافة واللطافة مذهبى».
وكانت أم كلثوم جبارة لدرجة أنها عندما تزوجت مصطفى أمين، وبسبب من مكانتها ورغبتها في السيطرة على قلوب من حولها، أخفت خبر الزواج، ولم تجد أكثر أمانة من الزعيم جمال عبد الناصر ليحتفظ بوثيقة الزواج، العهدة هنا أيضا على الدكتورة رتيبة الحفني، والتي أذاعت هذا الخبر في احتفال مكتبة الاسكندرية، بذكرى أم كلثوم الماضية. الشائعات كثيرة، لكن المؤكد أن كوكب الشرق تزوجت من الملحن محمود الشريف، والطريف أن مصطفى أمين هو الذي أذاع الخبر، ومن بعده تزوجت الدكتور الحفناوي، وهذا الزواج هو الوحيد الذي عرف أخباره عشاقها وانتشر بينهم.
ولم تكن هذه هى شائعة الزواج الأولى التي أطلقت على أم كلثوم فالبعض أكد أنها كانت متزوجة في بلدها طماى الزهايرة قبل أن تأتى القاهرة وتحصد كل هذه الشهرة والنجاح.
والبعض الآخر أكد أنها تزوجت «شريف باشا صبرى» خال الملك فاروق سراً على الرغم من معارضة الملك لذلك. وجميعها أحاديث وشائعات تفتقد الى الدقة والتوثيق.
ومهما كان أمر أم كلثوم وقصص زواجها، فقد ظلت حتى وفاتها، وهو أمر ضد طبيعة الاشياء، تحتفظ بصوت قوي عبقري، وظل العشاق في شتى أرجاء الوطن العربي وحتى بعد مرور أكثر من 33 عاما على وفاتها يتجهون إلى صوتها باعتباره عاصمة الحب وملتقى أنهاره التي ما زالت تجري وعادت لتصب في قصر المانسترلي من جديد في لفتة وصفها المايسترو سليم سحاب، أحد المشاركين في حفلات الخميس، بأنها لفتة حضارية تعيد لأحباء أم كلثوم حقهم في سماعها بأصوات حقيقية تنقذهم من الغبار الذي راح ينتشر في سماء الموسيقى.
وهذا هو الذي جعل الدكتور وليد شوشة، مدير قصر المانسترلي، يقرر أن يعيد حفلات الخميس على متحف أم كلثوم، بحيث لا يتوقف دوره فقط عند كونه مكانا يضم مقتنياتها وأشياءها التي استخدمتها في حياتها وسارت بها بين الناس.
إن عبقرية أم كلثوم لا تتمثل في موهبتها فحسب بل تعدت الي عناصر كثيرة ساعدتها لتقف علي رأس القائمة الغنائية لمطربات جيلها وكل جيل.. وكانت سباقة لمعرفة الظروف الأجتماعية والسياسية التي تحيط بشعبها لذلك جاء توقيع أغانيها نابعاً من أرضية الواقع العربي الملىء بالأحداث والتفاعلات الاجتماعية اليومية. أم كلثوم الصوت العربي الذي مرَّ بمراحل كثيرة ليصل الي مراحله النهائية كانت تبحث ومنذ صغرها عن الأدوات الصحيحة التي تصقل صوتها وتؤهلها الي ان تكون مطربة بمعني الكلمة.. لذلك دأبت ومنذ صغرها علي تجويد وحفظ القرآن الكريم مما ساعدها على أن تكون قادرة علي نطق الحروف بشكلها الصحيح بجانب إعطائها مساحة صوتية هائلة لأداء القفزات اللحنية والتي يصعب اداؤها من قبل أخريات.
ان أم كلثوم صعدت بجدارة وبجهد الي القمة لتخطف لقب (سيدة الغناء العربي) عن طريق عملها الدؤوب والمتواصل لتقديم أغنية عربية يكتب لها الاستمرارية وتسمع في أي وقت وأي زمان.

ليست هناك تعليقات: